Monday  23/05/2011/2011 Issue 14116

الأثنين 20 جمادى الآخرة 1432  العدد  14116

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الاقتصادية

      

في بداية عام 1990م اتصل بي صديق عزيز قائلاً إنه يريد استشارتي في موضوع مهم. فالتقينا مساءً في مقهى بوسط الرياض، وفي البداية أصر على دفع ثمن كوب القهوة البالغ أربعة ريالات عِرفاناً للاستشارة، ثم قال إنه سيسافر لإكمال الدراسة ولديه مبلغ فائض، ويعتقد أن الخيار الأجدى لاستثمار هذا المبلغ ريثما يعود هو لشراء أرض في حي النخيل الذي تراجع سعر المتر فيه إلى مئتي ريال بعد أن كان يتجاوز الألف ريال قبل سنتين، ويرغب في معرفة رأيي في هذا الاستثمار.

ولما كانت خبرتي في العقار لا تؤهلني لتقديم مشورة مدفوعة الثمن، فقد لجأت إلى إجابة غير مُباشرة: رسمت على الطاولة جداراً متصاعداً بحدة، وقلت له: احذر؛ فمستقبلنا التنموي يمكن تشبيهه بشخص يسير على هذا الجدار صعوداً وهو يعلم أنه سيسقط لا محالة، وكلما أمعن في الصعود كلما كانت السقطة أشد إيلاماً.

ثم تحدثت عن الميزانية التي لم تصدر في ذلك العام، وكيف أن العجز يتوقع أن يبلغ مئة بليون (أي ثلث الميزانية) مُضافاً إليه العجز المتراكم للأعوام الخمسة الماضية، وأن الدين العام تجاوز حجم الناتج القومي، وأن فوائده تلتهم ربع الدخل، الأمر الذي يعني أن تصحيحاً قاسياً قادماً لا محالة وكلما تأخر كلما كان أشد قسوة.

فقال بقناعة متناهية: «صدقت، يا له من جدار مُخيف. لن أشتري الأرض» في ذلك العام انحدر إنتاج المملكة إلى أربعة ملايين برميل في اليوم بمُعدل عشرة دولارات للبرميل، وارتفع عجز الميزانية والدين العام إلى أرقامٍ مُقلقة بكل المقاييس، وأخفقت محاولات الحكومة لزيادة الرسوم والضرائب، وتعرض الريال لهجمات مُربكة من ضواري العُملات الدوليين، وأحاطت بالاقتصاد غيوم كثيفة من الغموض.

كانت استشارة الأربعة ريالات مُخلصة ومن القلب، ولكن اتضح لاحقاً أنها غالية الثمن. فبعد عدة أشهر من ذلك المساء البارد احتل صدام حسين الكويت فقفز سعر النفط فوراً إلى أربعة أمثاله وتجاوز إنتاج المملكة التسعة ملايين برميل في اليوم تعويضاً عن إنتاج الكويت والعراق.

ثم انهالت الأموال على المملكة مع الكويتيين ومع جيوش التحالف الجرارة، ففاضت البلد بالسيولة وقفزت أسعار الأراضي حتى أن ثمن المتر في حي النخيل تضاعف في العام التالي لتحرير الكويت سبع مرات.

قابلت صديقي بعد انتهاء بعثته وعودته للمملكة في ذلك العام، فرمقني بنظرة عتاب عميق، وسألني: «ما أخبار جدارك المتصاعد؟» فسارعت إلى إخراج محفظة النقود وناولته أربعة ريالات، لكنه رفضها بإباء الآن وبعد عشرين سنة، هل تغير مستوى اعتمادنا على النفط؟

ibrahim@alnaseri.com
 

استشارة الجدار المتصاعد الثمينة
إبراهيم محمد الناصري

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة