الحمد لله الذي أكرم ابن آدم بعد وفاته بدفنه...
أحمده سبحانه يبعث من في القبور، وأصلي وأسلم على خير من مشى على وجه الأرض ودفن فيها، ودفن المسلمون على ملته موتاهم -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- وبعد..
كان الناس فيما مضى في المجتمع النجدي يحرصون على زيارة المقابر للسلام على موتاهم فيعرفون أماكن دفنهم، ولا شك أن ذلك كان من تهيؤ الوقت لهم، وحرصهم على إحياء سنة نبيهم عليه الصلاة والسلام لقوله: «نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإنها تذكركم بالآخرة».
وكانت المقابر في الرياض ليست ببعيدة عن الأحياء، فمتى شاؤوا قاموا بالزيارة مشياً على أقدامهم وخاصة يومي الخميس والجمعة من كل أسبوع، ويقومون بملاحظة القبور وما قد تحتاج إليه من ترميم جراء الأمطار والرياح وما تقوم به بعض الحيوانات من نبش وعبث وحفر؛ فكان الرجال يذهبون إلى المقابر مصطحبين أولادهم وفي بعض مناطق المملكة كالمنطقة الغربية، كما أخبرني صديق لي يقيم في مدينة جدة أن الرجال يقومون بزيارة مقابر موتاهم في صبيحة يوم العيد بعد الصلاة ومعهم أطفالهم وهم بكامل زينتهم بملابس العيد. والغريب أنه في أوروبا يقوم الناس رجالا ونساء وأطفالا بزيارة مقابر موتاهم في يوم محدد من السنة، وبطقوس خاصة بهم مع أننا في شريعة الإسلام لا يجوز للنساء زيارة القبور لنهي رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عن ذلك (لعن الله زائرات القبور) وتكون الزيارة للرجال وفق السنّة النبوية المطهرة فلا ينبغي تجاوزها أو المغالاة في ذلك.
واليوم ومع انشغال الناس وتباعد مساكنهم فقد قل التواصل وزيارة المقابر اللهم إلا عند دخولها لدفن الموتى!!
ونتساءل: متى آخر مرة زرنا قبور آبائنا وأجدادنا وأقاربنا الذين سبقونا إلى الدار الآخرة ويعيشون حياة برزخية ومدفونين تحت الأرض التي نمشي عليها، ونحن في انتظار أن يأتينا دورنا للحاق بهم لنعيش كما يعيشون إلى أن يبعث الله مَنْ في القبور، وكما أخبر رسول هذه الأمة عليه أفضل الصلاة والسلام بأنهم يسمعون سلامنا عليهم، ولكن لا نسمع ردهم علينا لحكمة الله يعلمها «لولا أن تدافنوا لدعوة الله أن يسمعكم من في القبور».
فأقول: نحن مع الأسف قطعنا صلة أقاربنا المتوفين ولم نقم بزيارتهم في مقابرهم إلا من رحمهم ربك وقام بذلك بين الفينة والأخرى وقليل ما هم في وقتنا الحاضر، وإذا كان التواصل بين الأحياء قد ضعف أو قل التواصل والزيارات بين الأحياء فزيارتهم قبور موتاهم أولى مع الأسف!!
ولكن يبقى سؤال كبير جداً: من يدلني على قبر جدي؟؟
قليل جداً بل جداً جداً من يعرف مكان قبر جده أو أبيه من بين المتوفين، وذلك لكثرة المدفونين في المقابر، ويوم كان الناس يحرصون على زيارة المقابر كل ما سنحت لهم الفرصة عرفوا أماكن وعلامات قبور أقاربهم وأهلهم.
إنني لا أدعو إلى أن تكون القبور محل مزارات وتعظيم أو تقديس معاذ الله من ذلك. يقول صلى الله عليه وسلم: «لا تجعلوا قبري وثناً يعبد من دون الله» بعد أن لعن اليهود لاتخاذهم قبور أنبيائهم مساجد، بل أدعو إلى أحياء السنة المطهرة في زيارتها، على ساكنيها رحمات من الله ومغفرة، فندعو لهم ونتذكر الآخرة ومآلنا الأخير إلى تلك القبور، وأيضاً تذكير أبنائنا بأجدادهم والتعريف بهم، وعن حياتهم وأن كل إنسان مآله القبر متى جاء يومه الموعود، وأن الدفن سنّة الله في خلقه، وإن وضع علامات أو شواهد بسيطة وغير متكلفة تميز كل قبر عن الآخر أو عمل رسم تخطيطي للمقابر وترقيمها ضرورة لا بد منها. إن ذلك مما يسهل على الناس معرفة قبور موتاهم متى أحبوا زيارتها.
فيا حبذا لو سلكت البلدية ذلك المنهج حتى يسهل معرفة قبور موتانا ويساعدنا على زيارة قبور من سبقونا من أهلينا إلى الدار الآخرة، ونقوم بإحياء سنّة نبينا محمد -صلى الله عليه وبعثها من جديد. ونعوّد الأبناء وخاصة الشباب على زيارة القبور وكيفية إلقاء السلام والدعاء عند دخول المقابر.
وختاماً أنوه إلى إنني لا أقصد بأي حال من الأحوال إبراز القبر على مستوى غير شرعي أو تضخيمه أو عمل تجصيص أو (رخام) أو نحو ذلك أو أن يقرأ عنده القرآن أو يكتب عليه من العبارات كالتي نشاهدها في بعض مقابر الآخرين في الدول الأخرى، فإن ذلك كله منافي للشرع المطهر وما كان عليه السلف الصالح من هذه الأمة، ولكن ما الذي يمنع لو وضعت علامة بسيطة أو يكتب على الشاهد اسم المتوفى فقط ليعرف أهل الميت قبر مدفونهم أو متى احتاج الأمر لأي ظرف يستلزم إعادة حفر القبر واستخراج الجثة حسب ما يقتضيه الشرع: فما الضير في ذلك وما قصدت إلى التعريف بمكان القبر ومن صاحبه وليس غير إن كان ذلك جائزاً شرعاً.
والله من وراء القصد، وهو الهادي إلى سواء السبيل.