هل ننكر أن العامل الأهم والرئيس الذي أسهم إسهاماً كبيراً في تنشيط السياحة والذي جعل من اسطنبول قبلة للسياح هو المسلسلات المدبلجة؟ أو لأكون أكثر دقة مسلسل مهند ونور؟
وقد أسهمت تلك المناظر الخلابة الساحرة وشاطئ المتوسط والبحر الأسود الذي كان مسرح المسلسل التركي الشهير في جذب الناس لذلك البلد.
هذا يؤكد كم هي طاغية الدراما التركية ومتغلغلة في فضائياتنا، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هل تعبِّر هذه المسلسلات عن الواقع التركي؟ وهل هي الدافع الرئيس الذي قرَّب الشعوب أو جذب الناس لزيارة تركيا ومحاولة استكشاف هذا البلد التي تربطنا فيها علاقات متجذرة من الماضي، وتاريخ مشترك تكاد ملامحه ظاهرة بجلاء في أوجه المدن المختلفة فيها كالمساجد والخط العربي على مبان كثيرة بل طقوس العبادة ولباس النساء اللاتي يرتدين الحجاب وبكثرة في المدن والقرى كذلك؟
أمرٌ مهم أثاره لقائي مع مجموعة من المثقفين والإعلاميين من العالم مع السيد المستشار في الرئاسة التركية إبراهيم كالين الذي عبَّر عن اهتمام تركيا بإنتاج مسلسلات أكثر واقعية وقرباً من البيئة التركية من تلك التي تناقلتها الفضائيات، وذكر أنها لم تعبِّر بالشكل الجيد والحقيقي عن البلد وأهلها.
أمور أخرى هي القواسم المشتركة بين تركيا وشعوبنا العربية والتي ذكرها محمد زاهد جول في مقال سابق له، وهي روابط دينية وروحية وتاريخية، إضافة للثقافة الشعبية وجهود الحكومة التركية ودورها المعاصر في إعادة صياغة العلاقات التركية العربية.
تقدير جهود رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان بمنحه جائزة الملك فيصل العالمية في خدمة الإسلام كان له الأثر الكبير لدولة تحاول جاهدة في الوقت الحالي مخاطبة العرب بأحاسيسها وعقلها.
في لقائي بالرئيس التركي عبدالله غول وقد كنا تطرقنا لدور الأدب والثقافة في التقريب بين الشعوب والذي لا يقل عن الدور السياسي أو الاقتصادي، كان مما تطرقنا إليه أهمية الترجمة المباشرة ودون وسيط من العربية للتركية والعكس، وكان الحديث عن دور جائزة خادم الحرمين العالمية للترجمة المنبثقة عن مكتبة الملك عبدالعزيز العامة وما حققته من تشجيع للترجمة وتكريم للمترجمين الذين أثروا الساحة بترجماتهم.
أورهان باموق الفائز بنوبل للآداب سابقاً عرَّفنا أيضاً بتركيا وحضارتها وثقافتها من خلال إبداعاته الكتابية والروائية والتي ظهر من خلالها تأثره وإشارته للحضارة الإسلامية التي تجلت في بلاده.
وأنت في اسطنبول ترى لك ملامح مشابهة وما يشدك عاطفياً لأرض ارتبطت بها تاريخياً ويحاول التاريخ إعادة نفسه اليوم بشكل أفضل وبمد جسور لا تقبل إلا أن تكون جسوراً للتقارب لا للتداعي.
في المقاهي يحضر التاريخ مع عبق الحكايا وكؤوس الشاي الساخن وجمعة من الناس تحاول سرد التاريخ واستعادة الماضي.
من وحي اسطنبول
من النوارس سأستعير ذاكرة البحر
فيستفيق الذين مضوا من سكرة الموج
وتعود المراكب التي ضلت دربها ذات غياب
وأخرج كالحوريات إذا ما اكتمل البدر
من الغيم.. ستهطل نوارس بلون البحر
تصفق بجناحيها كلما أسر لها الموج بذاكرة المحيط.
mysoonabubaker@yahoo.com