كانت جلسةً شبه مغلقةٍ، ضمَّت شابين من أولاد الأثرياء، وامتدَّ حديثُهما الذي حضره صديقٌ لهما إلى كيفيةِ توزيع إرثِ والديهما اللذين لا يزالان يتنفسان ويتنفذان، ولا يشوب بدنيهما علةٌ ولا عقليهما خللٌ.
كان الحديث مؤلمًا حدَّ الجرحِ النازفِ نكراناً، وجاء الاستفهامُ المختبئُ في عمقِ لحظةِ وجع: أهما يقتسمان حقَّ الأبوة أم التربية أم الترفيه أم الثقة أم الكينونة والصيرورة والبِرِّ والإحسان؟
عاد الاستفهام حسيرًا؛ فربما لم يُحسن الأبوان التنشئةَ أو لعلهما لم يجيدا إدارةَ ثروتيهما بما يكفُل حقَّ الله بدءًا مثلما استخلفهما ليبقى لهما ما تصدقا فأبقيا، لا ما خلَّفا فورَّثا من أهمته تركة وغامت عنه قيم، وما أمضَّ أحاسيس مشهدِ الأبناء الساهرة لكتابة سيناريو «موت الآباء».
حكايةٌ عابرة في استحضارِ مواقف غيرِ عابرةٍ ممتلئةٍ بمعاني الأَثَرة والوفاء والكرم والعطاء تتجسدُ رجلًا في إنسان الوطن؛ لا يقف عند ما ينفقه في «جلاجل» حيث بنو أبيه الأدنون، ولو فعل لكفاه، لكنه هنا وهناك؛ ظلًّا وارفًا يفيءُ خيرًا فيمتدُّ ذكرًا وشكرًا، ويمثل فكرًا تنمويًا يعنيه رضا الله وخدمة عبادِ الله.
أبو زكي تكرمه «شقراء» كما كرمته مدنٌ ومحافظاتٌ ومراكز، وجماعاتٌ وأفراد؛ لهجوا بدعواتهم التي لا يسمعُ فيضَها لتكون دِرءا له بظهر الغيب، وهل للحياة طعمٌ ألذُّ مذاقًا من وصال الأرواح بالأفق فيجيءُ الناتجُ رضا الذات ومثاليةَ السمات؟
وإذا كنا اعتدنا مرأى الأثرياء ذوي الهامة والشامة؛ يطئون الثرى مترفقين تيهًا - كما تخيل شيخُنا المتنبي أسدَه - فإن هذا الرجل يسدي الجميل فتشرق ابتسامته ولين جانبه وضوء داخله أينما حل؛ فلم يعهدْ إلا حفيَّا، يظن كل من يتواصلُ معه أنه - دون سواه - أخلصُ أصدقائِه؛ وتلك خصيصةٌ لا يؤتاها إلا ذو حظٍّ وحظوة.
الشيخ عبد العزيز العلي الشويعر تجربةُ نجاحٍ تستحق الرواية ورجلُ عطاءٍ يأنس به الثناء، وعمل الخير مأذونٌ بنشره للاحتذاء لا للرياء، والاحتفال به وبباذله نهجٌ رائد قد يقرع جرسًا في أذهان أثرياء آخرين نسُوا حقَّ الله والوطن، وغفلوا عن أن للمستفيدين من أصلابهم حساباتٍ أخرى؛ ما يجعل الفقراءَ لا يحسدونهم على ثروةٍ تورثُ البغضاء، وتجعل أقرب الناس إليك يراك ميتًا يسير بلا قدمين، وفي دروس الشيخ «سليمان الراجحي» معانٍ لمن وعى.
كلماتٌ لا تفي الشيخ عبد العزيز الشويعر بعضَ كدِّه ومَدِّه، لكنها قد تشفع لصاحبكم عدمَ مشاركته لحظات الحب في «شقراء» لارتباطٍ لا يأذن بتأجيل؛ فليهنأْ شيخُنا الكريم «أبو زكي» بالمشاعر الصادقةِ تحيطُ به حيثما حل؛ فاليوم وفاءٌ ودعاء وغدًا حسابٌ وجزاء، وشكرًا للسخاء في أهل وعلى أرض الحبيبةِ شقراء.
التكريم عرفان.
ibrturkia@gmail.com