خلال زيارتي الأخيرة لمنطقة القصيم تشرفت بدعوة كريمة من رجل الأعمال عضو مجلس الشورى سعادة الأخ الدكتور عبدالرحمن المشيقح لحضور أمسيته الأربعائية في منزله العامر وذلك مساء الأربعاء غرة جمادى الآخرة 1432هـ وبحضور عدد من الوجهاء والمثقفين في بريدة، وكان ضيف شرف الأمسية والمتحدث فيها سعادة الأخ الأستاذ الدكتور أحمد الشميمري، وكان موضوع المحاضرة هو (الاقتصاد المعرفي)، والأستاذ الدكتور الشميمري أكاديمي متخصص في إدارة الأعمال وخبير وممارس في مجال الإدارة والتسويق، وله سبق في تبني مفهوم الريادة في الأعمال بالمملكة.
هذه الأمسية والمحاضرة القيمة شجعتني لإعداد هذه المقالة عن هذا الموضوع الذي يعتبر أحد أسس التنمية المستدامة في الوقت الحاضر.
وعلم الاقتصاد المعرفي أو مجتمع المعرفة القديم (الجديد) باختصار هو من أهم متطلبات التنمية المستدامة وسيكون الحل الأمثل لخلق الفرص الوظيفية. ويعتبر خياراً إستراتيجياً لجميع الدول النامية قبل المتقدمة. حيث بدأت هذه الإستراتيجية من قبل كثير من الدول المتقدمة واستطاعت عدد من الدول (المتقدمة) التي اختارت هذه الإستراتيجية أن تحقق النجاح في خلق اقتصاد المعرفة في فترة وجيزة مقارنة لكثير من الدول المتقدمة التي بدأت بالعمل على تطبيق اقتصاد المعرفة حيث بدأت الدول الحديثة بالبدء من حيث انتهى الأولون من الدول المتقدمة كالولايات المتحدة الأمريكية والتي تعتبر رائدة الاقتصاد المعرفي والتي بدأت ذلك منذ أكثر من مائة عام، بينما نجحت الدول المتقدمة الحديثة كالدول الاسكندينافية وكوريا بتطبيق الاقتصاد المعرفي بفترة وجيزة مقارنة بالولايات المتحدة الأمريكية.
وللاقتصاد المعرفي أو مجتمع المعرفة عدة خصائص هي:
1- الابتكار والإبداع وتشجيعه وتمويله وإيجاد البيئات الملائمة لاحتضانه.
2 - أن التعليم المعرفي أساس للإنتاجية والتنافسية الاقتصادية حيث إن العنصر البشري المؤهل بالمهارات ما يسمى بالمهارات العالية أو ما يسمى برأس المال البشري هو أكثر الأصول قيمة في الاقتصاديات الجديدة المبنية على المعرفة.
3 - البنية التحتية المبنية على تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.
4 - تقديم حوافز على أسس اقتصادية تستطيع توفير كل الأطر القانونية والسياسات التي تهدف إلى زيادة الإنتاجية.
إن تأسيس الاقتصاد المعرفي يتطلب وجود تشريعات لريادة الأعمال وخلق البيئة المناسبة يشارك فيها كل من القطاع الخاص والحكومة وتشجيع الإبداع والابتكار وتمويله وذلك بالاستشعار في التنمية البشرية. إن تمويل الابتكارات غير موجود لدينا مع الأسف، رغم وجود هيئات من المفترض بها تولي هذه المهمة مثل مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية. وكمثال على ذلك هناك مبتكرون لديهم براءات اختراع ولمنتجات مهمة، لم تجد من يمولها لإنتاج مبتكراتهم، بل وإن أحدهم عرض ثلاثة مبتكرات لها براءات اختراع على كل من بنك التسليف ثم الصندوق الصناعي وكذلك مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية ولم يتمكن من الحصول على ريال واحد لإقراضه، حتى لإتمام المخططات الصناعية لمبتكراته وأحد هؤلاء المبتكرين موظف لا يملك سوى راتبه الذي بالكاد يكفي لإعالة عائلته وعذر الجهات التمويلية الحكومية أن لا بد من وجود رأسمال وكان هذه المؤسسات الحكومية أسست للأغنياء فقط.
وكمثال على ما سبق مقابلات عديدة مع طبيبتين سعوديتين لديهما براءات اختراع كمنتجات من أبوال وحليب الإبل، لم يجدا من يتولى تكاليف المنتجات لتجربتهما سريرياً لكي يتم اعتمادها من هيئات الغذاء والدواء العالمية كالمتبع. والحقيقة المرة أن الجهات الحكومية بأنظمتها المالية الحالية غير مؤهلة للقيام بهذه المهمة المهمة جداً للبلاد.
إن بلادنا بحاجة إلى إقرار إستراتيجية للاقتصاد المعرفي تتضمن:
1 - تشجيع وإنشاء وتمويل مراكز البحث العلمي وتطبيقها.
2 - العمل على تشجيع وإنشاء وتمويل الواحات العلمية، ومناطق التقنية والحاضنات.
3 - العمل على تشجيع نقل التقنية وتوطينها وليس استردادها فقط.
4 - إنشاء ما يسمى بمراكز الريادة وتمويلها.
5 - تعديل المناهج العلمية العامة والجامعية لتتناسب مع إستراتيجية الاقتصاد المعرفي.
إن تلك الإستراتيجية لابد من استفادتها من تجارب الدول الأخرى والبدء من حيث انتهوا مثل كوريا واليابان والدول الاسكندينافية.
الجدير بالذكر أن خطة التنمية التاسعة 2010-2014 قد تضمنت «التوجه نحو الاقتصاد المبني على المعرفة وتعزيز مقومات المعلومات» الهدف الثامن.
قال الحق تبارك وتعالى في كتابة العزيز:
{يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانفُذُوا لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ} (33) سورة الرحمن
والله ولي التوفيق؛؛؛
* مستشار إداري واقتصادي
musallammisc@yahoo.com