إستراتيجية تعني حرفيًا حسب اللغة اليونانية التي اشتقت منها الدهاء في المناورة العسكرية المصممة لتضليل أو خدعة أو مباغتة أو مفاجأة العدو لتحقيق الانتصار، وارتحل هذا المفهوم إلى عالم الإدارة بكافة أنواعها ومستوياتها لتحقيق النجاح في تحقيق أهداف أي جهاز أو مؤسسة أو شركة في ظروف منافسة شديدة في بيئات دينامية متسارعة التغيرات وهو ما يعادل الانتصار في ساحات القتال، ولذلك يعتقد أن مفهوم الإدارة الإستراتيجية ظهر ليتناسب وحجم ونطاق ووتيرة التغيير والتحول السريع، كنتيجة حتمية للتقدم الاقتصادي والعلمي والتقني والنهضة المعاصرة في المعلومات والاتصال.
أحد الأصدقاء ممن يعملون في مجال التخطيط الاستشاري يقول: إن هناك إقبالاً كبيرًا على الإدارة الإستراتيجية بعد أن أثبتت الدراسات أن المنظمات التي استخدمت مفهوم التخطيط الإستراتيجي تميزت بمعدل نمو عالٍ جدًا في المبيعات والأموال، وإن تلك التي أخذت بمفهوم التخطيط الإستراتيجي فاقت المنظمات التي لم تأخذ بهذا المفهوم في ثلاثة عشر مؤشرًا من مؤشرات الأداء للمنظمة، لكنه يضيف أن تطبيقات مفهوم التخطيط الإستراتيجي لا تختلف كثيرًا عن مفهوم التخطيط التقليدي، مؤكدًا أن معظم الخطط التي شاهدها لا ترتقي لمستوى التخطيط الإستراتيجي ما يجعلها فاشلة في تحقيق الرؤى والرسائل والغايات والأهداف لتصير إلى الأدراج كنهاية محتومة ويعود العمل بالطرق التقليدية أو العفوية.
ويشير صديقي المستشار إلى أن معظم المنظمات التي توظف مفهوم التخطيط الإستراتيجي لا تكلف نفسها دراسة البيئة التي تعمل بها لمعرفة الإمكانات المتاحة في البيئة التي تنشط بها سواء كانت محلية أو دولية وتتطلع لتحقيق نجاحات فيها في ظل منافسة شديدة إن لم تكن شرسة، وبالتالي فإن هذه المنظمات تفقد فرصة توظيف الإمكانات التعاونية الواعية أو المغفلة أي التعاون لتحقيق مصالح مشتركة مع الإمكانات المتاحة بوعيها بأهداف المنظمة أو دون ذلك أو حتى باستغفالها بطرح غايات مستهدفة غير تلك المستهدفة حقيقة.
وأقول نعم وللأسف الشديد كثير من المنظمات تأتي بمنهجية التخطيط الإستراتيجي وتطبقها دون توفير متطلباتها من معلومات دقيقة وشاملة وحديثة وعلمية للبيئة التي تعمل بها لتحديد الفرص المتاحة والتهديدات المحتملة، إضافة لمعرفة نقاط قوة المنظمة وضعفها، وبالتالي تخرج بخطط إستراتيجية تعتمد بشكل كبير على إمكانات المنظمة المالية والبشرية والمادية وتفرط بإمكانات البيئة التي تعادل قوتها أضعاف الإمكانات الأخرى، وكلنا يعلم كيف استخدمت الولايات المتحدة إمكانات الدول الإسلامية من شباب المسلمين المتحمسين (شباب الصحوة آنذاك) للجهاد بذكاء ودهاء ودفعت بها من باب تحقيق أهداف مشتركة باستغفال لإسقاط الدب الروسي وإعادة تأهيل شرق أوروبا والدفع بها نحو الاقتصاد الرأسمالي، وهو ما كان لها ومن ثم أدارت لهم ظهر المجن.
لا أعتقد -كما يبدو لي- أن معظم منظماتنا من أجهزة حكومية وخصوصًا ومؤسسات مجتمع مدني ستصل لتطبيق مفهوم التخطيط الإستراتيجي بالطريقة التي وصلت لها المنظمات في الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوروبا، ولكن أرجو أن تعرف منظماتنا على الأقل أنها لا ترتقي في تطبيقاتها لهذا المفهوم إلى درجاته الدنيا وعليها أن تعيد حساباتها تجاه تطبيق هذا المفهوم، وأقل ذلك أن تدرس البيئات التي تنشط بها وتنفق على تلك الدراسات بما يمكنها من الوصول لمعلومات دقيقة وشاملة وحديثة لرسم صورة واضحة ومترابطة الأجزاء للواقع بكافة مكوناته لاستثمار فرص التعاون المتاحة لتحقيق المصالح المشتركة بأعلى كفاءة ممكنة بوعي من الطرفين بالأهداف النهائية لكل منهما في الحالات الطبيعية أو بعلم أحدهما في الحالات الاستثنائية.
أخيرًا يجب أن يعلم القائمون على تطبيق مفهوم التخطيط الإستراتيجي أن من محاور التفكير الإستراتيجي المباغتة واستخدام الدهاء في الوصول لتحقيق الغايات والأهداف، وأن ذلك لن يكون لمخططين ينخرطون في عصف ذهني استنادًا لمعلومات لا تتعدى ما هو شائع أو لمعلومات لا تتعدى مصادرها الجدران الأربعة التي يجتمعون فيها.
alakil@hotmail.com