(خط الرجعة) مسلسل مغربي من إنتاج القناة الأولى المغربية سنة 2005، وإخراج محمد منخار، وتمثيل الفنان [عزيز موهوب]، وهو عبارة عن مسلسل اجتماعي يعالج قضايا نفسية ومادية عدة من خلال تطرقه إلى قضايا الساعة مثل الهجرة الداخلية والخارجية، إضافة إلى قضايا التزوير والتهريب والمتاجرة في المواد الاستهلاكية المغشوشة بدافع الطمع والربح السريع. قرأت عن المسلسل ولم أنل فرصة مشاهدته أو متابعته للوقوف على فكرته، وتسلسل أحداثه، في حين وقفت في مفترق خط الرجعة مع كثيرين احتفاظاً بماء وجهي، ويفترض أن ندّخر لدينا كمّاً كافياً منه، من خط الرجعة. وهذا الخط لمن يجهله: هو صيغة التراجع عن الأمر دون أن يؤثّر في الأشخاص، أو الموقف. وفي علم الإدارة والسياسة لا بد للإنسان أن يحسب لنفسه خط الرجعة. وقد ترى فئة المصلحة في قطعه، حيث احتفظ لنا التاريخ بما وقع ليوليوس قيصر عندما كان محصوراً سنة 48 ق.م في حي البروكيون، يحيط به المصريون من كلِّ جانب تحت قيادة أخيلاس، فأحرق السفن التي في الميناء لقطع خط الرجعة على يوليوس، وذُكِر أنّ النيران امتدت إلى مكتبة الإسكندرية وأحرقتها. كذلك قيام الصهاينة في نكسة 1948م بهدم 370 قرية فلسطينية، وقيل 400 قرية، والسبب في هذا التصرُّف الأرعن قطع خط الرجعة على السكان، ومنعهم من الرجوع إلى قراهم لإلغاء شرعية السكان الأصليين. وهو نهج تسلكه الدول الاستعمارية. وفي سورة الحشر، في الآية الثانية منها: {..يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ..} إشارة إلى محاولة المؤمنين قطع خط الرجعة على اليهود بتخريب بيوتهم في المدينة وتقطيع نخيلهم؛ حتى لا يفكروا في العودة مُجَدداً. وهذه الرؤية تتقاطع مع رؤية أخرى تبيِّن أنّ العقلاء من يتركون خط الرجعة سالكاً، وباب الصلح مفتوحاً. والمنهج الديني والشرعي يعتمد على هذه القاعدة باستمرار، ما لم يأتِ يوم التغابن، يوم الجمع والحساب.. عندها يمحى خط الرجعة، أو يُقطع. وقطع حسَنه حسن، وسيِّئه سيِّئ، وأحياناً حسَنه سيِّئ، وسيِّئه حسَن إن لم يكن في نظرنا ففي نظر الآخرين على الأقل. أنا حينما أسلك طريقاً إلى مدينة ما سأضطر عند الرجوع إلى المرور بالطريق ذاته إذا لم تكن هناك طرق أخرى تنتهي بالمكان نفسه، ويحدث منها ما حدث مع (روما) في كون كلّ الطرق تؤدي إليها؛ وبالتالي فوّتت علينا فرصة الالتقاء مصادفة بالأحباء ذهاباً، أو إياباً. ومن يرميلكرة في المياه الراكدة يربك المياه، ويفوِّت على نفسه فرصة ارتداد الكرة إليه؛ فتبقى طافية على سطح الماء، علماً بأن الارتداد ليس خطراً حتمياً ولا سلامة أبدية!! إذاً لا بدّ من وجود خط رجعة آمن ضمن استراتيجية حقيقية، أو قطعه ضمن الاستراتيجية نفسها. ولعلّنا نتفق والشاعر (ناجي شعيب) في قصيدة له ضمن ديوانه (أزهار لا تموت على قبور الأعزاء).
أردت أن أنسى...
وأضمد الجرح الذي يزداد اتساعاً...
كل ليلة...
وأنا في انتظارك...
ولن تأتي...
قررت أن أنام...
كي أقطع عليك خط الرجعة...
لحظة دخولك أحلامي
صورة شعرية مدهشة؛ حيث الأحبة الغائبون عادة ما يحطون مثل الطيور في أحلامنا، ثم ما يلبثون أن يغادروا حين نعاود اليقظة. والطريقة الوحيدة لإدخالهم قفص وجودنا مرة أخرى أن نتناوم لكي نتمكن من قطع خط الرجعة عليهم بمجرّد دخولهم أحلامنا، التي ننصبها كشرك.
رؤية الشاعر لا تلغي أنّ الاحتفاظ بخط الرجعة أو الحبل السري يؤمن الحماية اللازمة للحقوق والثوابت. وكثيراً ما قطعت موظفة منضبطة، أتت متأخرة، خط الرجعة على زميلاتها المتسيبات عندما تسجِّل زمن حضورها الفعلي ولا تمكِّنهنّ من تسجيل زمن حضور متقدِّم بعيد كلياً عن زمن حضورهنّ الفعلي!!
* ومضة شعرية:
تعوّدت أن أكون وحيداً..
وأنام على جانب واحد من السرير..
متكوراً كدمعة.
bela.tardd@gmail.comp.o.Box:10919-Dammam31443