Tuesday  17/05/2011/2011 Issue 14110

الثلاثاء 14 جمادىالآخرة 1432  العدد  14110

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

ما بين الطائف وأبها عبر سراوات تهامة تضاريس ومناخ يسمو بالروح ويسحر الألباب ويبهج النفس، كما أن المنطقة الواقعة بين تيما وحقل لها أيضا سحرها الذي يدخلك التاريخ لتستحضر آيات الذكر الحكيم، وما بين المنطقتين هناك مكة المكرمة والمدينة المنورة.

هذا الشريط الممتد من خليج العقبة شمالا وحتى بلاد اليمن جنوبا أجده من آيات الله سبحانه وتعالى لذوي الألباب والفكر من حيث تنوعه وغنى إيحاءاته ليتأملوا هذه الصورة الغنية بالمعاني والإلهام، وأستغرب اختفاء إيحاءاته الوجدانية المؤثرة عن الأنشطة الثقافية والفكرية والفنية، ولا أجد تفسيرا للهروب نحو حدائق بابل وأهرامات فرعون وأجراس الكنائس في متون قصائد الشعراء السعوديين أو البحث عن عاهات عقلية وجسدية لتصوير المواطن السعودي في المسلسلات والمسارح الفنية أو خفايا العلاقات والشذوذ في الروايات والقصص إلا بحثا عن إنسانية محبوسة في صندوق مغلق يحبس مدى النظر، رغم سعة هذا الوطن وتباين تضاريسه ومناخه وما يمكن أن يشكله هذا الاتساع والاختلاف من غنى وثروة إبداعية لو التفتنا إليه وتأملنا خفايا لمحاته الظاهرة وإلهامات عطاءاته الوجدانية الغائبة التي تحتاج فقط حب للحياة، ففي قمم النماص الشاهقة ووسط عجاج الضباب ونسمات المطر يسكر الفكر وتثور مشاعر الروح الكامنة في قوالب الأحاسيس المحبوسة بدوران ساعات الزمن، وإن وقفت أمام نحت الرياح وغور التاريخ في تلال وجبال تيما فسترى عظمة الخالق جل وعلا في صنع غابة مكتظة بأنواع من الحيوانات الصامتة في صخور تناثرت في صحراء منسية إلا من عابري الطريق، حتى لتشعر أن الزمن يعود بك إلى عاد وثمود وارم ذات العماد فينتابك الذعر والخوف من عمق التاريخ ودقة تفاصيله، وإن استرخت رحالك في ضبا أو حقل فأنت في منتجعات عالمية أخّاذة لا ماربيا ولا شرم الشيخ.

لكن المؤسف حقا هو خلو ثقافتنا الاجتماعية من العشق والحب العذري النبيل الطاهر للحياة، فالجفاف في أعماقنا للحياة يتشقق مثلما تتشقق الأرض من العطش وتحبس عواطفنا قيود حديدية من التوجس والشكوك والتأويلات العابرة لنوايا القلوب والعقول، وكأننا مجتمع رحّل في صحاري من الرمال المتحركة تترجم فيه الابتسامة ضعفاً والمودة بالكلم تعديا، أما الحب والضحك فليست إلا عواطف مراهقة يتعالى عليها الرجال ذكورا وإناثا... نعم وإناثا!!، لا نرتضي وصف الجلافة أنفة في نفوس أحرقتها حرارة الشمس حتى تيبّس سلسبيل مهجها ولطفها التي أنعم بها الله سبحانه وتعالى عليها كتربة خصبة تشد جذور الإيمان في الإنسان للرحمن محبة وعبادة، ومما يؤلم أن تعبر خطط التنمية الخماسية ببلادنا إلى زخرفة ظاهر الأرض بالزجاج والأسمنت وتمد خطوط الإسفلت لتطحن محركات البنزين والديزل وجدانية الطبيعة وعبق التاريخ وكريات الحب والعشق الحمراء والبيضاء والزرقاء في لهاث الركض نحو مستقبل مستورد من ثقافة الاستهلاك والتملك الأناني، فصار أن قسي إنسان هذا الوطن على إنسانيته ثم أضافت له خطط التنمية ما يدعمه ويسنده في هذه القسوة والجفاء.

ما أحوجنا اليوم لإعادة اكتشاف ذاتنا الغنية والثرية بطبيعتها الساحرة وتاريخها الضارب في أعماق البدايات، وما أحوجنا اليوم إلى أن نرفد النفط ومشتقاته بالألفة والمحبة من خلال إعادة العاطفة العذراء إلى قلوبنا المثخنة بالتوجس والشك والريبة وعسر الناس في الاتجاهات القسرية بقصد حمايتها من الذنوب وقد أذنبنا في حق أنفسنا وكسرنا رؤاها عن سعة رحمة الله زهدا في الحياة، فصرنا نصنع لها الوجوه والمظاهر التقية وندفن في باطن مضامينها أشنع الذنوب وأخبث الخطايا، وإن خدعنا أحد فلا نخدع إلا أنفسنا، ولكن استمرأنا الخداع حتى صار الإنسان ذئبا وصقرا وأسدا وإن شئتم مزيدا، فسبع وحصان وثعبان وفار وضفدع.

hassam-alyemni@hotmail.com
 

جمال الوطن وغياب الإنسان
حسن اليمني

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة