تثبت الأحداث يوماً بعد يوم أهمية «الجبهة الداخلية» في ترسيخ «الأمن الاجتماعي»، وهناك شبه اتفاق لدى المختصين في هذا الشأن بأنه لا يمكن لأي قوة خارجية مهما بلغ جبروتها أن تزعزع هذا الأمن طالما كان الناس في صف الحاكم. إن قوة وتماسك هذه الجبهة له ركنان أساسيان، أحدهما «العدالة الاجتماعية» المتمثلة في تكافؤ الفرص للجميع، والقضاء على الفساد، وثانيهما هو تحقيق المطالب الأساسية للمواطنين، وهم غالباً لا يطلبون الكثير، فجل همهم يتمثل في امتلاك مسكن مريح ودخل ثابت وتوفير الخدمات الضرورية كالتعليم والصحة، ما يضمن لهم حياة كريمة يشعرون معها بأنهم جزء من الوطن، وبأن سلامة الوطن جزء من سلامتهم الشخصية، وهناك مقولة شعبية شائعة بأن: «من يملك منزلاً لا يمكن أن يثور»!. لا يراودنا شك بأن ملك البلاد حريص على أبناء شعبه، وما القرارات الملكية الأخيرة المتعلقة بالإسكان والصحة والضمان الاجتماعي والدعم المادي الهائل واللامحدود، والمتابعة الشخصية إلا دليل على ذلك، ولكن المشكلة تكمن في قلة من المسؤولين الذين اؤتمنوا على مصالح الناس، ثم بدؤوا يتعاملون مع الوظيفة الحكومية وكأنها قطاع خاص بهم فيما يتعلق بالتوظيف وترسية المشاريع وخلافه، بل إن الأمر وصل حد تجاهلهم لكل ما يقال ويكتب في وسائل الإعلام في مخالفة صريحة للأمر الملكي الذي يلزمهم بالرد على كل ما يطرح من تساؤلات، إضافة إلى ذلك فإننا نقرأ - أحياناً - عن تطبيق نظام معين في وقت محدد، ثم نفاجأ بأن الموعد قد فات دون أي تبرير أو تفسير، وآخر مثال على ذلك تصريح أحد المسؤولين فيما يخص الرهن العقاري، إذ قال إن النظام سيطبق في بداية الربع الأول من عام 2010، وها نحن في منتصف العام الذي يليه دون أي بوادر تشير إلى قرب تطبيق هذا القرار! وعلى الرغم من قلة عدد مثل هؤلاء المسؤولين، إلا أن الطبيعة البشرية جُبلت على تضخيم السلبيات والتقليل من حجم الإيجابيات!، ولعل هذا كان حاضراً في ذهن خادم الحرمين الشريفين - رعاه الله- عندما أكد - مراراً - على أهمية خدمة المواطن، حتى أصبحت مقولته التي قالها للمسؤولين في أكثر من مناسبة على كل لسان: «المواطن من ذمتي لذمتكم». إننا يجب أن نتفاءل بإنشاء هيئة مكافحة الفساد، لأن هذا يعني أن هناك جدية واضحة في الوقوف بحزم ضد من يستغل الوظيفة الحكومية للمصالح الشخصية، أو يسعى لتعطيل مصالح الناس، لأن وجود هيئة مستقلة ومرتبطة مباشرة بملالبلاد كفيل بعدم تكرار قضايا سابقة كانت - رغم قلتها - تطغى على كثير من الإيجابيات، ولعلي أذكركم بما كتبه أحد الزملاء وبالوثائق عن قضايا فساد ارتكبت في إحدى الجهات، والتي وعدت بأنها ستحقق بالأمر، ثم مر وقت طويل حتى تم تجاهل الأمر تماما. أيضاً لعلكم تذكرون ذلك المسؤول الذي طالب بنقل قطاع كامل من مؤسسة إلى مؤسسة أخرى، وهذه المطالبة لم تكن مبنية على أساس علمي ولا علاقة لها بالصالح بالعام، وإنما الهدف الرئيس هو الانتقام الشخصي وتصفية الحسابات مع المسؤول عن ذلك القطاع، وكأن هذا المسؤول يعمل في شركة خاصة به لا في إحدى أهم الجهات الحكومية. إننا كلنا أمل بأن مثل هذه الأمور لن تتكرر في ظل وجود هيئة مستقلة لمكافحة الفساد، وهذا بالتأكيد يبعث على الاطمئنان. وقبل الختام، نؤكد أن معظم مسؤولينا هم محل الثقة، نبراسهم في ذلك هو الوازع الديني والشعور الوطني، ولكن المؤكد أن وجود قلة قليلة من المسؤولين الذين تحدثنا عنهم آنفاً يساهم بالتأكيد في إيغار الصدور، وفي شعور المواطن بانعدام العدالة التي هي - كما أسلفنا - عماد الأمن، ومع ذلك فكلنا أمل بمستقبل لا نرى فيه أثراً لمثل هؤلاء، خصوصاً وأننا نعلم أن الوطن الذي ولَّد قامات إدارية مخلصة ونزيهة، من أمثال الراحل غازي القصيبي -رحمه الله- والشيخ صالح الحصين- حفظه الله- وغيرهم من رجالات الوطن قادر على ولادة مثلهم وأكثر.
خاتمة: تأملوا هذه اللوحة التي رسمها بدر بن عبدالمحسن:
الكوكب اللي تقول الناس يا صغره..... من كثر ما هو بعيد وشوفهم قاصر!
amfarraj@hotmail.com