«الحكمة يمانية» عبارة يرددها أهل اليمن مأخوذة من الأثر الطيب والتراث الإسلامي، وحتى العربي ما قبل الإسلام. فهناك عدد كبير من الحكماء الذين ظهروا في اليمن.. ملوكاً ومفكرين وقادة وعلماء، من منا لا يتذكر حكمة الملكة بلقيس وكيف تعاملت مع أكبر قوة في عصرها وتحالفت مع الملك سليمان «النبي سليمان» وجنبت بلادها التدمير من جيوش هذا الملك؟

ومن منا لا يتذكر الملكة أروى التي شيدت دولة وضعت بنية أساسية من طرق وقنوات ري ومجالس شورى في نهج ديمقراطي قبل الميلاد.

الحكمة يمانية.. قول لم يطلق من فراغ، ولكن: أين هذه الحكمة اليوم ودماء أهل اليمن تسيل في ساحات وشوارع محافظات اليمن بدءاً من العاصمة صنعاء مروراً بتعز والحديدة وعدن وذمار.

هل غلبت الأطماع الحكمة، وهل حجب كرسي السلطة جهود الحكماء، وهل تحالفت الأحزاب لتغييب أهل الرأي والمشورة وكلهم من أهل الحكمة والحكماء.

الوضع في اليمن واستمراره كل هذه المدة وسقوط هذا العدد الكبير من الضحايا لا يدع مجالاً للقول بأن الحكمة حاضرة في اليمن اليوم، بل هي مغيبة قسراً، وبقوة السلاح وبالتسلط الحزبي.

تغييب الحكمة ومحاربتها في اليمن اليوم واضح وأصبح نهجاً وسلوكاً لأطراف الصراع في بلد الحكماء سابقاً؛ إذن إنه ورغم كل ما قدم من أفكار ومبادرات يقابلها من قبل المستهدفين بهذه المبادرات من أطراف الصراع، عملاً مضاداً يهدف إلى تفريغ الأفكار والمبادرات من مضامينها والعمل على تحويل بنودها لخدمة مصالحهم أو أهدافهم وهكذا تتساقط الأفكار وتعجز المبادرات عن وقف النزيف المتواصل وسفك الدماء ويتوالى سقوط الضحايا وفي النهاية الخاسر الأكبر اليمن وأهل اليمن.

الدول المجاورة والشعوب الشقيقة؛ مهما كان ارتباطها الوثيق باليمن وأهل اليمن، ومهما كانت علاقة أمن اليمن بأمنها الوطني لا يمكن أن تستمر في جهودها وتساير «أطراف الصراع» في مناوراتها ومحاولاتها كسب نقاط تفاوضية أو على أرض الواقع لتعزيز موقفها، فهذه الدول لا تملك الوقت ولا التفرغ للانشغال في قضية واحدة مهما كانت هذه القضية مهمة، ولهذا فقد جاء انسحاب دولة قطر من المبادرة الخليجية الخاصة باليمن.. والخوف أن يتبع قطر دول أخرى بعد أن تخلى المتورطون في الصراع الدائر في اليمن عن الحكمة.