اعتــــراف المسؤول الأول في الجهاز الحكومي بواقع العمل الفعلي يعد نصف الحل.. المشكلة عندما تتجسد القناعة لدى المسؤول بأن الأمور تسير على ما يرام وأن الأخطاء لا وجود لها. سمو وزير التربية والتعليم الأمير فيصل بن عبدالله أظهر شفافية كبيرة عندما أكد أثناء لقائه بقادة العمل التربوي بعسير على أن مؤشرات ميدانية مقلقة يتعين على الوزارة الوقوف إزائها بحزم وحكمة.. وذكر منها الضعف العلمي والغياب غير المبرر ومظاهر العنف والمخالفات السلوكية والموقف النفسي من المدرسة والمبني المدرسي غير المناسب!.
بقدر ما أسعدتنا شفافية سمو الوزير وجرأته في المكاشفة إلا أنها وضعتنا أمام واقع مرير ونتائج مخيبة للآمال؛ فقد أفصح سموه عن ستة مؤشرات صادمة لمجالات حيوية وهامة لا يمكن للنظام التعليمي أن يتعافى بضعفها ووهنها.
هذه المشكلات مزمنة ولم تجد لها الوزارة طيلة السنين الماضية الحلول الجذرية والناجعة والمجتمع يدرك أن معظم المباني المدرسية غير صالحة للدراسة وخاصة المستأجرة، حيث يدرس الطلاب في مطابخ وملاحق وغرف طعام ومدارس لا يوجد بها مختبرات ولا مكتبات ولا غرف لممارسة الأنشطة أو ملاعب يمرح فيها الطلاب.. لذلك لن نسأل بعد إيضاح صورة البيئة المدرسية غير المثالية عن كثرة غياب الطلاب عن المدارس وفرحهم الهستيري بالإجازات وتفضيلهم للمنازل فماذا فعل المسؤولون عن المباني لحل هذه المشكلات المتراكمة؟.
في وزارة التربية والتعليم جهاز ضخم يسمي التوجيه والإرشاد الطلابي تنفق الدولة على برامجه الأموال الطائلة وفي المدارس آلاف المرشدين فأين نتائجه؟ وماذا حقق للحدّ من ظاهرة الغياب والعنف داخل المدارس والمخالفات السلوكية؟ وأين نتائج برامجه لترغيب الطلاب بالمدرسة وتقريب الفجوة بين المعلم والطالب وتغيير القناعات السلبية لدى المعلمين والطلاب.
أصبحنا نخشى أن تتحول مدارسنا إلى ساحات حرب نتيجة العنف المتبادل بين المعلمين والطلاب؛ لكمات وضرب مبرح وتكسير سيارات ومواقف عدائية وصلت إلى تداخل أسر الطلاب فيها وبعضها وصلت إلى أقسام الشرطة. حالات تطرح أسئلة عن تحول المدرسة إلى بيئة طاردة بدلاً من دورها في تربية الأجيال بالقدوة والاقتداء والحب والحرص على الطالب كابن ينتسب لهذه الأسرة الكبيرة.
أما ضعف المستوى العلمي فيطرح أسئلة لا نهاية لها وعلامات استفهام أمام كل سؤال وهذه الأسئلة بالتأكيد تدور حول المناهج والأجهزة المسؤولة عن تطويرها؟ والمعلمين وطرق اختيارهم وتأهيلهم تربوياً ونفسياً وتدريبهم؟ وجيوش المشرفين التي تجوب المدارس كل صباح وما النتائج التي حققتها وإذا لم تحقق النتائج المرضية وهو الاحتمال الأقرب، فماذا كان يفعل جهاز الأشراف التربوي الضخم في الوزارة وفروعه في المناطق التعليمية! أين المعايير؟ وأين المؤشرات؟ ثم أين المقاييس الدقيقة والتصحيح والتطوير المستمر؟ أم أن العمل لا يخرج عن الإطار الروتيني وتأدية الواجب؟.
كنت أتمنى أن يسأل سمو الوزير القيادات التربوية المصطفة أمامه أثناء اللقاء عن نتائج أعمالهم؛ لو فعل ذلك فسيجد أمامه مؤشرات منخفضة في تطبيق معايير اختيار هؤلاء القادة لأنها معايير لا تقوم على التأهيل العالي والخبرة الطويلة في الميدان التربوي والإبداع في حل المشكلات! سيجد أن هناك قيادات قد أخذت الفرصة وحان الوقت ليقال لها شكراً ومع السلامة.. فتربية وتعليم هذا الجيل لا تحتمل أكثر مما حدث.
shlash2010@hotmail.com