إذا عم الصمت في مجالس الرجال وتسرب الملل لها وبدأ الحضور في التثاؤب وأردت أن تبث الحياة في هذا المجلس وتنعشه وتحرك مشاعر الحاضرين فما عليك إلا أن تتحدث عن الزواج من الثانية أو عن زواج المسيار!! وستجد أن كل فرد من الحضور متفاعلاً ناشراً للأمر أذنيه، وماداً له عنقه، وطامحاً إليه ببصره، وفاغرا له فاه، قد استشرفت للزواج نفسه، وامتدت إليه عينه!!
ولست أدري ما هو السر في تحفز الرجال وعلو همتهم عند الحديث عن الزوجة الثانية!
والأغرب من هذا تلك النداءات التي تُسمع كثيراً بين الرجال من قبيل (عدّدوا يا جبناء) وكأن التعدد هو الصفة الأبرز والملح الأقوى عند الشجعان! فهل هي محاولات للهرب من الحاضر والتسلي بأحلام اليقظة والاستمتاع ببطولات زائفة!؟ والغريب أنك تجد أن الأغلب عند إثارة الموضوع يحاول (تمرير) فكرة نجاح الزواج من ثانية وخصوصاً من المجربين مبدين شجاعة فائقة في ذكر محاسن التعدد! وكأنه ذلك النعيم الذي لا يحيط به وصف ولا يأتي عليه نعت!! مؤكدين على أنهم سيقدمون قريبا عليه!! ولا أجد ما يحكي واقع هؤلاء الليوث إلا قول الشاعر:
وإذا ما خلا الجبانُ بأرض
طلب الطعان وحده والنزالا
• بعض الرجال يرى نفسه ملاكا بين الأنام ظانا أنه غرة الأيام وعيد الأعوام، قد فات (توم كروز) في وسامته وفاق (الطائي) في كرمه وسبق (دون جوان) في لطفه ورقته وجاوز (دانيال كريج) في أناقته، والحقيقة أن فيه من العيوب ما الله به عليم, لسان طويل وعقل قليل وكبركبير، ثقيل الروح سمج المنطق, يبصر القذى في عين زوجته ولا يرى الجذع في عينيه، جفف مشاعر زوجته وما عرفت معه رقة الإحساس ولا دفء العواطف ومع هذا تجده لا يكف عن التلويح والتهديد لزوجته الصابرة بالزواج! وهؤلاء خيٌر لهم يرضون بما وهبهم الله ويحمدون الله على وجود من يصبر عليهم!!
والسؤال الأبرز هو: لماذا الزواج من الثانية؟ ما أراه أن دوافع الرجال في موضوع التعدد تتباين:
• فهناك الرجل (الذواق) وهو من يتزوج لإشباع نزوة ويقدم عليه تذوقا وفات على هؤلاء أن الأمور ستتشابه كثيرا إذا انقضت الفورة وهدأت الثائرة!
• وهناك من يتزوج رغبة في (تكثير) الولد بحسب تبريره (والله أعلم بالنوايا) ولكن هل المطلوب حتى تنهض الأمة وترتقي أن يكثر السواد؟ وأن نهتم بالكم ولا نعتني بالكيف؟ وهو جودة التربية وحسن الرعاية!
• وهناك من يتزوج عندما فقد (احتياجات أساسية) ولم يجد من زوجته ما يشبع احتياجه الجسدي والعاطفي.
• وهناك من يتزوج بعد أن تعاظمت (الفجوة) الفكرية بينه وبين زوجته فربما كانت ربة بيت من الدرجة الأولى ومربية من طراز رفيع لكنها إنسانة صارمة غلبت عليها الجدية فهي تقاوم التغيير ببسالة، فبيتها رتيب ولبسها متكرر وحديثها ممل وقدرتها على إدارة حوار راقٍ متدنية جدا، همها الأول شؤون المنزل والطعام والتنظيف!! وأحسب أن آخر صنفين هم الأشد حاجة، ولكن هل فكر الرجل قبل الزواج من ثانية أن يتفحص خسائره ومكاسبه وأيهما يرجح بالكفة مقلباً للفكرة وجوه الرأي، وصارفا لها أعنة الفكر ثم يتخذ القرار السليم بعد أن يبذل الجهد ويستفرغ السبب.
• وما لا أشك فيه أن الجهود المبذولة والتضحيات المقدمة والضغوطات المتوقعة ستتزايد بعد الزواج ولو أن الزوج قدم جزءاً منها في سبيل تحسين الأوضاع وتطوير الأحوال مع زوجته أحسبه أدعى لاستقرار أكثر وراحة بال أكبر، إضافة إلى أنه لن يتمتع بنفس الدرجة التي كان يهنأ بها قبل الزواج من التغافل وغض البصر عنه والتجاوز عن الزلات واحتمال الهفوات، ففي حال الزواج سيكون الرقيب أشد والمطالبات أكثر وحجم التنازلات سيقل كثيرا!! لذا أجزم أنه في كثير من الحالات لو أن الزوج بذل جهدا معقولاً في إصلاح الأحوال والتكيّف لكانت مكاسبه أكبر من الزواج من ثانية وخسائره أقل بكثير!
ومضة قلم:
«يمكننا أن نعيش مما نحصل عليه، أما ما نبذله فمن الممكن أن نصنع منه حياة»
• قبل الأخير: معرفي في تويتر @khalids225 أسعد بمتابعتكم.
khalids225@hotmail.com