الرياض - خاص بـ «الجزيرة»
أجرت حملة السكينة دراسة متخصصة جديدة تحت عنوان: (رسالة الجهات التعليمية في مواجهة الغلو) ضمت إسهاماتها في طرح رؤى ودراسات وأبحاث من خلال تجربتها الثرية خلال تسع سنوات من تعزيز الوسطية ونبذ الغلو، وهي موجهة للجهات التعليمية التي تعتبرها السكينة محور الوسطية، وتهدف إلى تلخيص رؤية للتحصين ضد الغلو.
وخلصت الدراسة إلى أن الوسيلة الوحيدة للنهوض بالجهات التعليمية بما لها من رسالة مؤثرة في معالجة إشكالية الغلو هي في إعداد المعلِّمِ إعداداً متكاملاً منْ خلالِ انخراطهِ في معاهدَ خاصَّةٍ أو دوراتٍ تأهيليةٍ تدريبيةٍ، يُشرِفُ عليها المتخصِّصونَ مِنْ أهلِ العلمِ الثِّقاتِ الإثبات؛ ليصيرَ المعلِّم في نهايةِ المطافِ خيرَ مُمَثِّلٍ للوسطيةِ في منهجهِ العقديِّ الفكريِّ وكذا في منهجهِ الأخلاقيِّ السُّلوكيِّ؛ وَمُزَوَّداً بالحصيلةِ العلميةِ المعرفيةِ الكافيةِ؛ وليكونَ منْ ذوي المهارةِ الفائقةِ في محاورةِ الطالبِ ومجادلتهِ بالتي هي أحسنُ في جَوٍّ مفعمٍ بالحجةِ والشَّفقةِ؛ مِن أجلِ إقناعهِ بالحقِّ، واستيعابِ كُلِّ جديدٍ يَطرأُ عليهِ؛ مترسِّماً في ذلكَ هدي القرآنِ والسُّنةِ، وما كانَ عليهِ سلفُ الأمةِ؛ كما قالَ تعالى: {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}.
وطالبت الدراسة بصياغةُ المناهجِ الدِّراسيةِ صياغةً محكمةً متينةً؛ بحيثُ تُشحنُ بأشكالٍ من التأصيلِ والفقهِ المنهجيِّ الرَّشيدِ، ومنْ ذلكَ على سبيلِ المثالِ لا الحصرِ: تأصيلُ مفهومِ الوسطيةِ والاعتدالِ، ومفهومِ التَّشدد والغلوِّ، وبيانِ تأريخِ الغلوِّ الأسودِ؛ وما جَرَّهُ على الأُمَّةِ في امتدادها الزَّمنيِّ منْ كوارثَ ومصائبَ، وتأصيلُ مفهومِ الأمنِ وضرورتهِ الحياتيةِ، وتأصيلُ مفهومِ العالمِ الَّذي يُمثِّلُ المرجعيةَ العلميةَ في الأمةِ، والمؤَهَّلَ بالتَّالي لأنْ يُستفتى في قضايا الأمةِ المصيريةِ؛ دونَ غَيرهِ مِمَّنْ يُشاركهُ في أصلِ العلمِ والتَّعلُّمِ، مؤكدة أهمية تأصيل فقهُ الولاءِ والبراءِ، وفقهُ الحكمِ بغيرِ ما أنزلَ اللهُ، وفقهُ التَّكفيرِ، وفقهُ الدِّماءِ المحرَّمةِ المعصومةِ، وفقهُ الجهادِ، وفقهُ السِّلمِ والحربِ، وفقهُ النَّصيحةِ والأمرِ بالمعروفِ والنَّهيِ عنِ المنكرِ، وفقهُ التَّعاملِ مع قضايا المسلمينَ، وفقهُ الدُّورِ: متى تكونُ الدَّارُ دارَ حربٍ أو إسلامٍ؟، وفقهُ التَّعاملُ بينَ الرَّاعي والرَّعيةِ.
وشددت الدراسة على أهمية وضرورة أن يَستثمرَ المعلِّمُ وسائلَ التقنيةِ الحديثةِ في إبرازِ ما جَنَتْهُ الأمةُ منْ ويلاتٍ ومصائبَ مِنْ جرَّاءِ الفكرِ الغاليِّ منذُ نشأتهِ في العصرِ الحديثِ وإلى يومِ النَّاسِ هذا؛ وذلكَ مثلاً: مِنْ خلالِ عرضِ بعضِ الأفلامِ الوثائقيةِ التي ترصدُ بعضَ أعمالِ التفجيرِ التي خُطِّطَ لها من جهةِ تلكَ التَّنظيماتِ الغاليةِ؛ وما خلَّفتْهُ منْ دمارٍ وخرابٍ وإزهاقٍ للأرواحِ وسفكٍ للدِّماءِ، كما ينبغي أنْ تستثمرَ تلكَ القصصُ الواقعيةُ المؤَثِّرةُ لبعضِ الأفرادِ الذين كانوا يوماً منْ أيامِ دهرهم متورِّطينَ في سلكِ التَّنظيماتِ الغاليةِ؛ ثُمَّ مَنَّ اللهُ عليهم بالهدايةِ والتَّوبةِ؛ وأخذِ ما في تلكَ القصصِ منَ العبرِ والعظاتِ.
ودعت الدراسة إلى تأهيل الطَّالبِ منْ خلالِ العمليةِ التعليميةِ تأهيلاً علمياً معرفياً نفسياً؛ ليكونَ على القدرِ المناسبِ مِنَ التأصيلِ والفقهِ في تلكَ القضايا التي تقدَّمَ التنويهُ بها؛ مِمَّا يجعلُ لديه الملكةَ على فرزِ المعلوماتِ التي يتلقَّاها منْ مصادرَ خارجيةٍ، والقدرةِ على فَحصِها ونَقْدِها؛ ومعرفةِ النَّافعِ مِنَ الضَّارِّ منها، وَلكي يكونَ قادراً - بإذنِ اللهِ - على مجاراةِ غيره - إنْ لَزِمَ الأمرُ - في ميدانِ الحوارِ والمجادلةِ بالأسلوبِ العلميِّ القائمِ على قذائفِ الحقِّ الَّدامغةِ؛ فإذا باطلُ تلكَ الأفكارِ الغاليةِ في زُهوقٍ واضمحلالٍ؛ كما قال تعالى: {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ}، وقبلَ ذلكَ كُلِّهِ أَنْ يكونَ راسخاً في نفسهِ أَنْ يُراجعَ مُعلِّمَهُ، أَوْ مَنْ فوقه مِنْ أهلِ العلمِ الثِّقاتِ إذا اشتبهتْ عليهِ الأمورُ، أوِ ادلهمتْ في وجههِ الخطوبُ.