انطلقت منافسات الدورة 13 للمسابقة المحلية على جائزة صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبد العزيز أمير منطقة الرياض لحفظ القرآن الكريم وتجويده للبنين والبنات في الرياض، مكملة ثلاثة عشر عاماً، في خدمة حفظة كتاب الله من جميع أنحاء وطننا الغالي، الذين يتسابقون في أشرف ميدان، وأعظم ما يتنافس فيه المتنافسون.
إن إقامة المسابقات بهذا المستوى تحتاج إلى جهود لا تقل حجماً ولا كماً عنها واستمرار المسابقة سنوياً نجاح لها ويعكس مدى الاهتمام والعناية بكتاب الله خصوصاً أن هذه المسابقة لها مثيلات وتقام في كافة نواحي المملكة وتختلف في أوقاتها وطرقها وتتفق جميعها على سمو الهدف ونبل المقصد، فالعناية بالقرآن وتشجيع الشباب للإقبال عليه وبذل الدعم السخي كلها عناصر مشتركة تهدف للحفز على تدارس القرآن والنهل من معينه وتوجيه المجتمع من خلاله الوجهة الصحيحة نحو البناء والعطاء والإنتاجية ونحن في هذا المجتمع المسلم الذي ينشأ فيه الشباب على الفطرة السليمة والتربية الحسنة بحاجة لتمسكهم بالقرآن الكريم خصوصاً مع ما نشاهده من هيمنة ثقافية إعلامية كماً وكيفاً تؤثر بدرجة كبيرة على متلقيها وبالطبع فإن تعرض الشباب لهذه الرسائل الإعلامية الموجهة كبير جداً وأصبحت وسائل الإعلام والتثقيف المرئي والمسموع جزءاً من حياتنا اليومية وتعمقت سلبياتها في نفوس الكثير لذلك فالشباب الغض في أمسّ الحاجة إلى الارتباط بالقرآن الكريم والتمسك بالعقيدة الإسلامية ليكون لديهم ملكة التمييز بين الغث والسمين والنافع والضار من منظور المسلم الملتزم بدينه ويتحقق لهم التوازن المطلوب وتحصينهم من التأثر السلبي بتلك المضامين والانجراف وراء الجهود الضخمة للإيقاع بالمسلم وتجريده من قيمه وثقافته وهذا غاية ما يأمله من لا يريدون لشبابنا الخير ولمجتمعنا الازدهار.
وقد شهدت المسابقة تطورات كبيرة منذ انطلاق دورتها الأولى في 18 ذي القعدة 1418هـ حيث شهدت دورات تدريبية لتأهيل المحكمين والمحكمات على المسابقات القرآنية، أسهمت في نشر الوعي التحكيمي لدى حفظة كتاب الله الكريم، وتأهيل محكمين ومحكمات للتصفيات المحلية للمسابقات القرآنية على مستوى المناطق والمحافظات، والارتقاء بمستوى أداء التحكيم في المسابقة المحلية على جائزة الأمير سلمان بن عبد العزيز لحفظ القرآن الكريم للبنين والبنات، وإعداد محكمين لمسابقة الملك عبد العزيز الدولية، وغيرها من المسابقات الأخرى الدولية والخارجية التي تشرف عليها الوزارة أو ترشح لها المحكمين محلياً وعالمياً.
إن استمرار المسابقة دليل على اهتمام الدولة - رعاها الله - بالقرآن الكريم وامتداد للدعم الذي توليه الحكومة الرشيدة - حفظها الله - للعناية بكتاب الله وفتح المجالات المتعددة لزيادة الإقبال على كتاب الله ورصد الجوائز السخية حيث تتحقق من هذه المسابقات أهداف سامية ففيها تحفيز للأبناء على التنافس الشريف وضبط الحفظ وإتقان التلاوة، فالاهتمام بالقرآن نابع من الإيمان العميق بأنه المنهج السليم للحياة بكافة جوانبها وارتباط الناشئة بكتاب الله حفظاً وتطبيقاً يربيهم منذ الصغر على محاسن الأخلاق والسلوك السوي الذي يدمج الفرد في مجتمعه ويجعله عنصر بناء لا هدم وجمع لا فرقة ورقي لا انحدار. إن ما تعانيه المجتمعات الغربية من تفتت وانحلال وتفكك الأسر وضياع الأخلاق والأنساب سببه عدم وجود المنهج الروحي الذي يقود الفرد في الاتجاه الصحيح ويفسر له علاقته بنفسه وعلاقته بالمجتمع من حوله وعلاقته بالكون، لذلك كان استغراقهم في المادة وحدها سبب ظهور مشاكل خطيرة وأمراض نفسية وعضوية مستعصية لبعدهم عن الله وصراطه المستقيم، ونحن ولله الحمد نشعر بنعمة الإسلام وأهميته للحياة وبالسير وفق هدي القرآن الكريم وهذه المسابقة مؤشر على الرؤية البعيدة لولاة الأمر واستشرافهم للمستقبل وأن ما يبذرونه اليوم من تشجيع على تدبر كتاب الله سيؤتي أُكله - بإذن الله - في المستقبل القريب على شكل ترابط قوي للمجتمع وجيل صالح مؤمن يسهم في بناء وطنه وأمته، والمسابقة جزء من الاهتمام الكلي بالقرآن الكريم طباعة وحفظاً ونشراً فقد أُنشئ مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة لطباعة أعداد كبيرة من القرآن الكريم سنوياً بجميع إصداراته المقروءة والأشرطة المسموعة ويطبع بأحجام متنوعة وترجمت معانيه إلى عدة لغات يتم توزيعها مجاناً للداخل وللدول والمراكز والأقليات الإسلامية في الخارج، كما يوزع على حجاج بيت الله الحرام ابتغاء الأجر والمثوبة من الله ونشراً للقرآن الكريم، جزى الله الأمير سلمان بن عبد العزيز خيراً على تبنيه لهذه المسابقة المباركة التي يستعد لها الكثير من أبنائنا وبناتنا فشغلت أوقاتهم في تدبر كتاب الله ومراجعته والنهل من معينه الصافي والتأدب بآدابه للفوز في الدنيا والآخرة، وكما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم: «من سنّ سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة لا ينقص من أجورهم شيئاً».
وهذه المسابقة التي نحن في خضم فعالياتها نموذج مثالي ومؤشر إيجابي لاجتذاب حفظة القرآن الكريم للتنافس وتشجع غيرهم ممن لم يلتحقوا بجمعيات القرآن الكريم لسلوك هذا التوجه الذي ينبع أصله من الإيمان بكتاب الله الكريم واهتمام ولاة الأمر - وفقهم الله - به في جميع المجالات من طبعه ونشره وتوزيعه إلى تعليمه وتطبيقه والحث على تدارسه والشيء بالشيء يذكر، فإن الجهود الكبيرة والإعداد المتميز الذي تضطلع بها وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد تنظيماً وإعداداً والتغطية الإعلامية المتميزة والإصدارات الخاصة المصاحبة لفعاليات المسابقة كلها تستحق الإشادة والثناء، وأدعو الله أن يثيب صاحب المسابقة على حرصه ودعمه وأن يكون له - إن شاء الله تعالى - النصيب الأوفر من الأجر على عنايته بالقرآن ومتابعته لاستمرار المسابقة خدمة لكتاب الله وحفظته.
*رئيس الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم بمحافظة جدة