|
د. حسن أمين الشقطي* :
تشير كافة المؤشرات النقدية الصادرة عن ساما للربع الأول من العام الحالي إلى حدوث تضخم في حجم المعروض النقدي بالسوق المحلي، فقد ارتفع عرض النقود (ن3) من 660.6 في 2006م إلى حوالي 1177.3 مليار ريال حسب آخر تقييم (28 أبريل 2011م).. أي زادت بنسبة 78.2%.. وهنا نقارن بعام 2006م لأن هذا العام هو الذي شهد أعلى قيمة لمؤشر سوق الأسهم بناء على أعلى سيولة ضخت بالسوق.. وهو الأمر الذي يثير الجدل حول: لماذا وكيف أصبح سوق الأسهم غير قادر على جذب (ولو جزء بسيط) من هذه الزيادات في السيولة النقدية بالسوق؟ بل ما يزيد التساؤل هو ارتفاع معدلات الودائع الجارية تحت الطلب بالمصارف السعودية، وهذه الودائع من المعروف أنها بلا عائد، أي أنها مودعة تحت اعتبار عدم قناعة أو ثقة المودعين في إيجاد أوعية استثمارية موثوقة وغير خطرة يمكن استثمار جزء من هذه الودائع فيها، بجانب الهدف الرئيسي من الاحتفاظ بها كودائع تحت الطلب وهو الاحتياط لتغطية الاحتياجات الطارئة لأصحابها في تدبير أمورهم الحياتية كأفراد أو تدبير احتياجات مؤسساتهم كشركات؟ وهو ما يطرح التساؤل: هل إصلاحات سوق الأسهم خلال الفترة من (2006-وحتى الآن) لم تتمكن من الحفاظ على جاذبية السوق لإغراء هذه الودائع للتوجه للاستثمارات أو المضاربات؟ أي أليس من المفترض أن تكون هذه الإصلاحات قد زادت من جاذبية السوق للمستثمرين؟ وبالتالي كان من المفترض أن يزداد إقبال المستثمرين على ضخ جزء من سيولتهم الفائضة (المودعة تحت الطلب أو الادخارية) في سوق الأسهم؟
استعادة عرض النقود لمعدلات ن
موه العالية
رغم أزمة سوق الأسهم في 2006م، ورغم الأزمة المالية العالمية (2007-2009)، فقد سجل عرض النقود بالمملكة زيادات واضحة خلال الفترة من (2006- وحتى مارس 2011).. فقد ارتفع خلال هذه الفترة بمعدل 74.0%.. إلا أن الشيء الملفت للنظر هو الزيادة الكبيرة التي سجلتها الودائع الجارية (تحت الطلب) في مقابل عدم حدوث زيادات كبيرة في الودائع الادخارية والزمنية خلال نفس الفترة.. فقد ارتفعت الودائع الجارية بنسبة 138.1%، مقابل نسبة نمو لم تزد عن 31.7% للودائع الادخارية والزمنية.. وهو ما يدل على أن خيار الودائع الادخارية ذات الفوائد الثابتة لا يزال خيارا غير مقبولا بشكل كبير بالمجتمع السعودي.. لذلك، فإن الزيادة في السيولة النقدية لدى الأفراد والشركات قد توجهت إلى زيادة الودائع الجارية تحت الطلب، وهي وعاء بلا عائد بالسوق، وتعد بمثابة أموال راكدة نسبيا.. أي أنه يوجد بالسوق المحلي حاليا حوالي 579.5 مليار ريال كودائع جارية تحت الطلب.. يمكن اعتبار جزء كبير منها كفوائض مالية لا تجد وعاء أو ملجأ مناسبا تتجه إليه.
السيولة النقدية الفائضة
بلاشك أن تضخم حجم الودائع البنكية سواء كودائع جارية أو ودائع ادخارية دليل بشكل أو بآخر على وجود سيولة نقدية فائضة لدى العديد من الأفراد والشركات بالسوق المحلي، إلا أن تضخم حجم الودائع الجارية بالتحديد دليل على أن هذه السيولة لا ترى سوق الأسهم وجهة استثمارية جاذبة لكي تستثمر على المدى القصير أو المتوسط.. فالودائع الجارية دائما وفي كل الاقتصاديات تتجه نحو استثمارات قصيرة الأجل (أو لنقل مضاربات) للاستفادة من الفترات القصيرة التي يستطيع المستثمرون فيها الاستغناء عن هذه السيولة، في حين أن الودائع الادخارية هي التي يمكن أن تستثمر استثمارات طويلة المدى إن كانت تفضل سوق الأسهم.
الدورة المعطلة.. لتدوير الودائع البنكية في سوق الأسهم
خلال الفترة ( 2005-2007 ) غالبية المراقبين للسوق انتقدوا بشدة الدور السلبي الذي لعبته التسهيلات البنكية في سوق الأسهم المحلي، فقد انتقدوا قيام البنوك (بشكل غير مدروس) بتقديم تسهيلات كبيرة لإقراض مستثمري سوق الأسهم (وهم لم يكونوا مستثمرين بل كانوا مضاربين)، وهو الأمر الذي تسبب في اندفاعهم وتحفيزهم للدخول في مضاربات عشوائية تسببت في النهاية في خسائر كبيرة لهم مدفوعين بسيولة قدمت لهم بسهولة.. ولكن اختلف الوضع كثيرا الآن، حيث توجد سيولة نقدية كبيرة لدى البنوك، وفي نفس الوقت انتظمت حركة التداول بالسوق، واختفت المضاربات العشوائية نسبيا..بل من أبرز ما يميز السوق الآن ضعف معدلات تدوير السيولة أي أن البنوك لديها سيولة ولا تقدم تسهيلات لمستثمري سوق الأسهم رغم تحسن وانتظام تداولات السوق.
أي أنه يمكن القول بأن دورة تدوير الودائع البنكية تبدو معطلة نسبيا.. وتتسبب في خسائر نتيجة فرص استثمارية ضائعة..فالودائع الجارية تحت الطلب بالفعل تمثل فرصا استثمارية كبيرة ضائعة كان يمكن أن تحقق مكاسب كبيرة ليس للبنوك أو لمستثمري سوق الأسهم فقط، ولكن للاقتصاد الوطني ككل..هذا ويمكن للمصارف انتخاب الآليات المناسبة لإقراض جزء (نسبة معينة) من هذه الودائع بشكل آمن وبشكل تضمن به ضخ استثمارات حقيقية بسوق الأسهم، أو حتى خارج سوق الأسهم.
البعض يتحسس من القول بأن السوق المحلي رغم كل هذه السيولة النقدية الفائضة إلا أنه يمر بحالة من الركود منذ عامين تقريبا، ويتحسس البعض أيضا من القول بأن حركة النشاط الاقتصادي الحالي قائمة بشكل رئيس على الانفاق الحكومي الذي ازداد بقوة خلال الشهور الأخيرة في ضوء القرارات الملكية.. بل ما يجب أن ينتبه إليه الجميع هو أن حركة النشاط الاقتصادي الخاص لا تزال تسجل حالة من الفتور والجمود الواضح منذ الأزمة المالية العالمية.. هذا الجمود يمكن للتسهيلات البنكية أن تساعد في القضاء عليه.. بل إن هذه التسهيلات هي الوحيدة الكفيلة باستعادة حركة الأطروحات الجديدة إلى طبيعتها بعد فترة الضعف التي تمر بها حاليا. كما أن الودائع البنكية هي الوحيدة الكفيلة بتحريك دورة الاقتصاد الوطني (بجانب الإنفاق الحكومي) في دورة انتعاش حقيقية.. فالقرارات الملكية الكريمة أدارت عجلة الانفاق الحكومي في مدى أبعد وأقوى من حدود الميزانية الحكومية، وجزء منها سيؤثر على حركة الانفاق الخاص، إلا أن دخول الودائع البنكية على الخط، سيلعب دورا فاعلا في تحريك الدورة الاقتصادية ككل..إلا أن آليات وسياسات تقديم هذه التسهيلات البنكية هو ما يحتاج إلى تفكير وتروي كبيرين للوصول إلى المستوى الذي يسهل تقديم القروض، ولكن يضمن في نفس الوقت استعادتها مرة أخرى من المقترضين.
(*) مستشار اقتصادي
Dr.hasanamin@yahoo.com