|
حيرني معالي الوزير الأديب الأريب الدكتور عبدالعزيز بن عبدالله الخويطر. سدد الله خطاه، إن وضعته في صنف العلماء لامني الأدباء، وإن وضعته في الأدب لامني الإداريون ومعهم فئات متعددة مثل السياسيين والنقاد والمثقفين وما يدور في خلدي كثير كثير جداً، وهذه الحيرة جاءت من رجل أسطورة يغرف من الأدب والعلم والإدارة والسياسة بيد لا تعرف الإقلال، ولعمري إنه طلعة كتب، ونحلة أدب، أكثر ما يدخل السرور على نفسه قراءة الكتب ثم تفرض عليه هذه الملكة فتمتلئ قريحته بالكتابة فيأتي المقالة أو الكتاب في حلل سندسية، استبرقية ومعالم أدبية موشحة بالتاريخ والشعر والمثل، الدكتور ضعه في أي مجال، أراهن بكسبي للرهان أن أقول: يبرز في كل علم من العلوم، أو مجال من مجالات الحياة، على تنوع أشكالها، وتباين مذاهبها، السبب في هذا إن صدق حدسي هو روح الطموح وعلو الهمة (وليس على الله بمستنكر/ أن يجمع العالم في واحد) والحديث عن معاليه - أطال الله في عمره - ذو شجون وكل يسهر على ليلاه، وفوق كل ذي علم عليم، دفعني لما قلت سالفاً، هذا الكتاب الذي سبق وأن بحت لك بعنوانه، فهو فكرة جديدة وما أحب الجديد الإيجابي الذي سرى في مجاله لنفس الخويطر.
اعتدنا أن نقرأ كتاباً فنكتب على إثره قراءة فيه أو عرضاً له، ولكن الجديد الذي جاء به الخويطر -حفظه الله ورعاه - هو قراءة لكتاب في كتاب آخر بين ناظريك الدليل الواضح، والحجة البينة، قرأت الكتاب من أول صفحة إلى آخر صفحة، فلم أجد في شفافيته ومنطقه وأدبه ونقده كلمة جارحة حتى لو كانت واحدة، هو ممن ينطبق عليه الحديث النبوي الشريف (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت) وحديث آخر (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده) قرأ كتاباً فأعجبه وأعاد قراءته ثلاث مرات، أحسبها متتالية نوعاً ما، فهو بهذا يطبق قول الأديب العقاد: قراءة كتاب واحد ثلاث مرات، أفضل من قراءة ثلاثة كتب دفعة واحدة، استمع إلى قوله الذي جاء بشكل سهل ممتع يفك الألغاز ويحل الطلاسم أمام بوابة الكتاب: (هذا هو فرع للكتاب الأصل، والكتاب الأصل هو كتاب (عشت سعيداً من الدراجة إلى الطائرة) للواء طيار المتقاعد عبدالله السعدون.
جاء هذا الفرع بعد قراءة متأنية للكتاب، لهذا لا تتم فائدة قراءة هذا الفرع إلا بقراءة الأصل.
إني ما كتبت الفرع إلا بعد أن قرأت الأصل ثلاث مرات، وما شدني منه ما أوجب كتابة الفرع.
إن هذا الفرع ما هو إلا غصن من دوحة وارفة يحرص المثقف أن يستظل بظلها ويتمتع بجودة طلعتها)، وحينما تمعن القراءة تحس أنك تقرأ كلاماً تام المعنى، واضح المنهج، فهو يفك درر الكتاب بمجهر صيرفي حاذق، ويتسامى في النظرة إليه إلى الرسام الحاذق الذي يتشرب بالصورة الدقيقة على الطبيعة فيلفظ أنفاسها بصورة كالأصل فلله دره، وعجائب وجماليات الكتاب كثيرة جداً فهو يتناول الأفكار واحدة تلو الأخرى، بصورة مرتبة وبشكلية موثقة، والكتاب كبير جداً ويقع فيما يقرب من (600) صفحة وهو دال على تفجر القريحة، بما تكن بين لابتيها من صفاء السريرة، وجودة المعدن، وحب الناس، وتوخي الخير، وأروع ما في الكتاب هو الحقيقة كما يراها الكتاب، وقد استوقفتني محطات عدة، ومواقف مهمة منها على سبيل المثال: سمات شخصية صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز - طيّب الله أثره، ومن ذلك عشقه لمحبوبته الأولى الرياض، وكيف يقضي الخويطر وقته، وأحسب أن الخويطر من سلالة لسان الدين ابن الخطيب ممن لهم نهاران، نهار عمل، ونهار ليل أدبي، وسر تفوق اليابان، الحرب الإلكترونية، السبب الذي من أجله لا يمل الخويطر من عمله الحكومي، وبطانته الأدبية، ومن ماتع الكتاب حديثه عن تعدد الزيجات، وتواضعه بقوله عنه نفسه: (إني شيخ هرم)، الشورى وفنها والاستشارة وحكمتها عند معالي الوزير الدكتور عبدالعزيز الخويطر في الكتاب أمثلة ناطقة بجمال وبهاء الإدارة، أيهما أعظم فقد السمع أو فقد البصر، مفاتيح القلوب عند الخويطر ثلاثة وأخيراً أن الكتاب هو فهرست ابن النديم في تأمله وتنظره لما يقرأ ويحلل ويقارن.
ص. ب 54753- الرياض: 11524
hanan.alsaif@hotmil.com