يفرق البعض بين الفلسفة والديانة بكون الفلسفة لا تصاحبها شعيرة بينما الديانة يكون لها شعيرة، وكثير من الفلسفات تؤمن بوحدة الخالق وقدرته، وبعض من الفلاسفة وأتباعهم ربما يؤمنون بالخالق لكنهم لا يؤمنون بما بعد الموت، ومهما يكن من فلسفات فإن الكتب السماوية المنزلة من الله سبحانه وتعالى، قد بينت سبيل الرشاد الذي لا لبس فيه.
والطاوية فلسفة صينية قديمة توغل في التاريخ إلى نحو أربعة آلاف عام وتعتمد على أفكار بشرية وبعض التمارين الرياضية الصحية، وقد انقسمت في القرن الرابع عشر بعد الميلاد إلى فلسفتين إحداهما تتعامل مع الذات البشرية والأخرى تؤمن بالسحر والشعوذة، ولقد أفل نجم هذه الفلسفة في عهد أسرة (مينغ) التي حكمت الصين من عام 1368م وحتى عام 1644م، ولعل أهم أفكارها السلوكية تلك المقولة المشهورة (سر مع التيار) أي أنها تدعو إلى المسايرة وعدم المصادمة.
لقد نشأت الطاوية في ظروف سياسية واجتماعية قاسية، حيث كانت الصين في مرحلة انتقالية من النظام العشائري إلى النظام الوحدوي، الذي تطلب الكثير من القسوة والعنف، وقسر الناس على الامتثال للخط السياسي والاجتماعي الجديد، ولذا فقد نشأت للبعد عن تأثير ذلك التيار والانصراف عن ذلك بالاستمتاع بالحياة من خلال الممارسات المبتكرة، وقد اقتبست بعض المفاهيم من الفلسفات الأخرى لا سيما البوذية والكنفوشيسية وهي فلسفة صينية أخرى جاءت فيما بعد، والطاويون يرون أن الطاوية تخلق التفاعل والتجانس والخير في الكون والطبيعة والإنسان، وترى الكنفوشيسية إمكانية وصول الإنسان إلى الحياة الكريمة الجيدة من خلال الأخلاق الحميدة.
والطاوية لم تقف عند مبادئها، الجميلة، فقد انتقلت مع مرور الوقت إلى معتقد يلزم لإتمام شعائره المرور عبر بعض الكهنة الذين زاد نفوذهم، وقويت شوكتهم، وأصبحوا واسطة بين المعتقدين بالطاوية، وطاو نفسه، عبر إدخال بعض الأنظمة التي تستوجب تقديم بعض الاستجلاءات المكتوبة التي تمر من خلالهم، وهكذا ظل المستغلون في جل المعتقدات عبر القرون يفسدون المعتقدات والفلسفات الحقة بغية تحقيق مآربهم الشخصية، ولهذا دخلت الكثير من التجريبات والتأويلات فأضاعت ذلك النقاء الذي حملته الكتب السماوية، والفلسفات البشرية، وظل القرآن الكريم محفوظاً من أي تحريف أو تعديل، وبرحمة الله وفضله، لأنه خاتم الكتب المنزلة من البارئ عز وجل.
وهناك مجموعات من الطبقات المختلفة في الصين تؤمن بالطاوية، سواء كانت طبقة مثقفة أو غير مثقفة، ثرية أو فقيرة، نافذة أو غير نافذة، ولديهم مؤسساتهم الخاصة بهم، ويقيمون طقوسهم فرادى وجماعات، وهناك فئة قليلة من المعتقدين في (الطاوية) في الوقت الحاضر، يركزون على تهذيب النفس، والاهتمام بالصحة، وتجنب المشاكل، والإبحار في عالم الوجدان، والتأمل في الكون الفسيح، لإعطاء النفس درجة من الإشباع الروحي، للحصول على مزيد من الراحة والاطمئنان بعيداً عن الدخول في عالم السياسة والاقتصاد الذي يحمل في طياته الكثير من الضغوط النفسية والجسدية التي لا بد لها أن تنعكس على الصحة والسعادة لدى الإنسان، والحقيقة أن إنسان اليوم في أمس الحاجة إلى الاختلاء الروحي بعد أن أصبحت التقنية الحديثة أداة للتعامل مع الماديات، وحاجزا لمنع المرء من المزيد من التأمل الروحي الذي يضفي الكثير من السعادة والاطمئنان على النفس البشرية، ويزيد المؤمن إيماناً، ويفتح نافذة على الإيمان.