كتب - عبد العزيز المتعب
لأن للشعر الشعبي الهادف على مر العصور دوره الإيجابي المؤثر على أكثر من صعيد كما توثق ذلك نصوص الشعراء على كل الأوجه سواء تناولها من (منظور نقدي) الباحث والناقد، أو تناولها من جانب انطباعي المتذوق والمتمعن بدقة في جواهر خالدة، أصيلة، لا يصدأ رونق معناها النفيس مهما (توالت الأيام والليالي وتنوعت مفاجآتها) فإن حرب الشعراء لمساوئ الأخلاق، والطباع الرذيلة هو انعكاس لمكارم أخلاقهم وتأثير فطرتهم الإسلامية السليمة ومجتمعهم السعودي النبيل الأصيل، ولا يمكن فصل الشاعر وشعره عن مجتمعه وتكوين سريرته السوية الطاهرة، لهذا كان حرب الشعراء (للنميمة) التي نهى الله ورسوله عنها. قال تعالى: {هَمَّازٍ مَّشَّاء بِنَمِيمٍ} (11) سورة القلم.
نزلت في (الوليد بن المغيرة) أي مغتاب يأكل لحوم الناس بالطعن فيهم والعيب، يمشي بين الناس بالنميمة، وهي نقل الكلام من إنسان لآخر، لإيقاع الفتنة بينهم.
وعن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل الجنة نمام) متفق عليه(1).
ونصوص كبار الشعراء زاخرة بالتوجيه السديد الذي يحذر من النميمة والنمامين، يقول الأمير الشاعر عبد الله الفيصل رحمه الله:
إياك والنمّام، حذرا يناجيك
نَحَّه كِما يطرد سُروق الضَّروَّه(2)
والشاعر المعروف بدر الحويفي ينفي بكل وضوح عن النمام صفة الرجولة الحقة بمعناها الراقي المشرف، مؤكداً أن (الذم ماهو من صفات الرجالي) وموضحاً ديدن النمامين الذين عرَّاهم شاعرنا لأن نهجهم مكشوف، ولكن كما دأبوا في ظهور الناس وليس في وجوههم:
هذي غريزة والطبايع مواهيب
والذم ماهو من صفات الرجالي
حرام بالغيبات شذب العراقيب
بعيد والاّ بالرفيق الموالي
ومتابع الغرّات هذا هو العيب
والناقص اللي يدّعي بالكمالي
وقال الأمير الشاعر خالد بن سعود الكبير متناولاً (الغيبة) من كل زواياها بنظرته العميقة وأسلوبه الجزل:
يا شين لا تشذب العرقوب
خلّ المقفّي وعذروبه
ما انت بعلى هرجتك مغصوب
وش لك على كشفَة عيوبه
ما هو بحقٍ ولا ما جوب
ميّت وتاكل من جنوبه
بالعون كل عليه ذنوب
وين الذي طاهر ثوبه
ما فيه رجل بليا عيوب
لو يخدع الناس بأسلوبه
لا تحسب إنك على المطلوب
دايم خطاويك محسوبه
الصمت مثل الذهب مرغوب
والذم تاليته عقوبه
ومن تاب ربي عليه يتوب
لو ضاقت الأرض بذنوبه
(1) شرح رياض الصالحين للإمام النووي.
(2) نحَّه: جنّبه عنك، اطرده. سُروُق الضَّرُوَّه: المعتاد على السرقة