كل شيء يمكن أن نتخيل النهب والسرقات فيه، إلا المشروعات الجميلة التي نحلم أنها جاءت لخدمة الثقافة العربية، بل إننا ظللنا لسنوات نرى فيها أجمل أحلامنا العربية في نشر الثقافة والإبداع بطريقة واسعة الانتشار، قليلة التكاليف، جاءت لكي تمنح القارئ المصري ذي القدرة الشرائية المنخفضة فرصة أن يؤسس مكتبة منزلية صغيرة رائعة ومتواضعة الكلفة، أن يقرأ كل ما كان يحلم فيه في مجالات التراث والفكر والأدب والترجمة وما إلى ذلك.
حينما نشرت الصحف المصرية نهاية الأسبوع الماضي خبراً عن اتهام سوزان مبارك بالاستيلاء على أموال مهرجان القراءة للجميع، وقد تورط معها في ذلك وزير الإعلام السابق أنس الفقي، ووزير الثقافة السابق فاروق حسني، هذا المهرجان الذي كنا نرى فيه أنموذجاً حضارياً لتوفير الكتب بأثمان زهيدة، يستطيع معها رجل الشارع والفلاح والفقير أن يقتني كتاباً ثمنه لا يزيد عن ثلاثة جنيهات مصرية فقط، كان وراءه ما وراءه من النوايا والخطط التي لم تخطر على بالنا، كنا نعتقد أن وزارة الثقافة المصرية خصصت جزءاً من ميزانيتها السنوية لهذا المشروع، بل أن كثيراً من البسطاء والسذج يعتقد أن السيدة سوزان مبارك هي من يتبنى الصرف على هذا المشروع، خاصة أن صورتها وكلمتها وتوقيعها كانت خلف كل إصدار من هذه الإصدارات الضخمة، فكم كانت الخيبة كبيرة، رغم أن الكتب الصادرة حققت هدفها للقارئ، وهي متوافرة حتى الآن في السوق المصرية، إلا أن اتهام هذا المشروع بالسرقة ونهب المال العام، هو ما خدش جمال صورة هذا المهرجان!
هكذا انكشف غطاء هذا المهرجان الذي ظهر تحت مسمى مكتبة الأسرة، وهو أن هذه المكتبة التي تصدر سلاسل الكتاب للجميع، تتلقى سنوياً مبلغ 15 مليون جنيه تبرعات من وزارات التربية والتعليم، والتعليم العالي والإعلام والتنمية الثقافية وغيرها لصالح المشروع، لتقوم سوزان مبارك بتحويل هذه المبالغ السنوية إلى صندوق خاص بجمعية الرعاية المتكاملة، وتتصرف بها دون التزام بالقواعد واللوائح مما يمثل إهداراً للمال العام واستيلاءً عليه دون وجه حق، كما كشف مصطفى بكري الذي أثار الاتهام في نيابة الأموال العامة قصة نشر رواية معمر القذافي (الأرض- الأرض) والتي دفع على إثرها تبرعاً لمكتبة الأسرة مبلغ خمسة ملايين دولار أمريكي، وذلك في عهد د.حسين سرحان رئيس هيئة الكتاب السابق، وهذا المبلغ أيضاً ذهب إلى الصندوق الخاص لتلقي التبرعات بجمعية الرعاية المتكاملة!
هكذا تكشفت حقائق هدر المال العام في الحكومة المصرية السابقة، وهكذا لا يستطيع أحد منا ألا يستعيد هذه الحقائق وهو يتصفّح أحد إصدارات مكتبة الأسرة المتنوعة، رغم أن ذلك لا يلغي قيمة معظم إصدارات مهرجان القراءة للجميع التي كانت تصدر عن مكتبة الأسرة، بل أن هذا المشروع الرائع الذي تشوّهت صورته، والذي يحمل أهدافاً نبيلة لا تخفى على أحد، لن يكون الحل بإيقافه أو إلغائه، بل إعادة تنظيمه إدارياً ومالياً، وهو الأمر الذي صرّح به وزير الثقافة المصري الدكتور عماد أبو غازي، باستمرار مشروع القراءة للجميع ولكن بسياسات جديدة.