|
اسطنبول - واس
أكدت المملكة العربية السعودية أنه انطلاقاً مما تمليه عليها تعاليم دينها الإسلامي الحنيف واستشعاراً منها بمسؤولياتها الدولية والأخلاقية تجاه الدول الأقل نمواً اهتمت بالغ الاهتمام بدفع عجلة التنمية في كل الدول؛ حيث قدمت مساعدات غير مستردة وقروضاً ميسرة خلال العقود الثلاثة الماضية استفاد منها 95 دولة نامية في مختلف قارات العالم.
جاء ذلك في كلمة المملكة أمام المؤتمر الرابع للأمم المتحدة للدول الأقل نمواً المنعقد حالياً بمدينة اسطنبول في جمهورية تركيا ألقاها معالي وزير الدولة للشؤون الخارجية الدكتور نزار بن عبيد مدني رئيس وفد المملكة إلى المؤتمر نقل في مستهلها تحيات خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود لفخامة الرئيس عبدالله غل رئيس الجمهورية التركية ومعالي الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون والحضور وتمنياته بنجاح أعمال المؤتمر المهم. كما قدم الشكر الجزيل إلى الجمهورية التركية الشقيقة رئيساً وحكومة وشعباً على ما لقيه الجميع من حسن الوفادة وكرم الضيافة، وما شهده المؤتمر من تنظيم متقن.
وقال «تواجه الدول الأقل نمواً تحديات عديدة في سعيها لتوفير حياة كريمة لشعوبها تليق بمقام الإنسان الذي كرمه الله، ولذلك لم يكن مستغرباً أن حرص المجتمع الدولي منذ قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 2768 (XXVI) في 18 نوفمبر 1971م، على مواصلة الاهتمام بقضايا التنمية في الدول الأقل نمواً والسعي إلى حشد كافة أوجه الدعم والمساعدة لها لتمكينها من تحقيق تطلعاتها التنموية. وفي سبيل ذلك الهدف عقدت ثلاث مؤتمرات سابقة للأمم المتحدة بخصوص الدول الأقل نموا، في باريس عامي 1981م، 1990م، وبروكسل عام 2001م.
كما حرصت قمة الألفية أن يكون أول أهدافها القضاء على الفقر والجوع وتخفيض معدل الوفيات للأطفال ومكافحة الأمراض وتطوير شراكة عالمية للتنمية. وأضاف «كنت أتطلع لأن يكون حضورنا في هذا المؤتمر ونحن جميعاً نعبر عن السعادة بتحقيق نتائج ملموسة، في ظل الجهود المحمودة التي يبذلها المجتمع الدولي لمساعدة الدول الأقل نمواً.
ولكن مع شديد الأسف لم تتحقق بعد تلك النتائج. فعدد الدول الأقل نمواً تضاعف من 24 دولة، وفقاً لأول قائمة صادرة في عام 1971، ليصبح 48 دولة استناداً لمؤشر يناير 2011م.
وخلال كل هذه السنوات لم تتمكن إلا أربع دول فقط أن ترتقي بنفسها من قائمة الدول الأقل نمواً للدول النامية. وأنه لمن المؤلم أن المرحلة التي تعيشها الدول الأقل نمواً اليوم تشهد نمواً سكانيا متسارعاً مثقلا بمشاكل التخلف والفقر والبطالة والأمية وانتشار الأوبئة والأمراض وعبء المديونية وتحديات التنمية.
ومعاناة الإنسان هناك مستمرة، بل إنها زادت حدة، وخصوصاً بعد الأزمة المالية العالمية التي لا يزال العالم يعاني من تبعاتها. والتي أدت إلى استمرار التراجع في تنفيذ تعهدات التنمية التي قطعتها الدول المتقدمة على نفسها منذ سنوات بتخصيص ما نسبته (7ر0) بالمئة من دخلها القومي للمساعدات التنموية.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل أصبحنا نشهد في السنوات الأخيرة تزايداً للنزعات الحمائية لدى بعض الدول، وذلك من خلال تبني قيود كمية وغير كمية وتقديم إعانات محلية ضخمة لمنتجاتها. مما أدى إلى الحد كثيراً من قدرة الدول الأقل نمواً على نفاذ صادراتها إلى الأسواق العالمية».
ومضى قائلاً: إن القضايا التي تواجهها الدول الأقل نمواً والتحديات القائمة، هي بالحجم والاتساع ما يقتضي منا التبصر فيها وتحليل أسبابها بموضوعية وعمق بحيث لا نكتفي بإلقاء الملامة ومسئولية نشوئها على الطرف الآخر. بل يتوجب على الجميع، انطلاقاً من مبدأ تعزيز الشراكة الدولية وفرص الاستقرار والسلام في العالم، مضاعفة الجهود والجدية في البذل. فالمجتمع الدولي عليه التزاماً أخلاقياً، وله مصلحة مشتركة، في مساعدة من لا تسعفهم إمكاناتهم في الاستفادة من فرص العولمة والانفتاح الاقتصادي، وإلا سوف تصبح مشاكلهم هي مشاكل الجميع. وأكدت المملكة في كلمتها «أن التهاون في الالتزام بتنفيذ التعهدات وتقديم الدعم والمساعدات اللازمة، واستمرار إهدار الطاقات البشرية واستنزاف الموارد الطبيعية لدى الدول الأقل نمواً، قد أدى جميعه إلى عدم الاستقرار والحروب والنزاعات في مناطقها، وهذا مما ساهم بدوره في تعميق مظاهر التخلف الاقتصادي والاجتماعي وإعاقة قدرة تلك الدول في اللحاق بركب الحضارة والنماء».
لذلك يتوجب على المجتمع الدولي الالتزام التام بتنفيذ تعهداته تجاه تلك الدول، سواء من خلال تقديم المساعدات المباشرة أو غير المباشرة أو إسقاط وإعادة جدولة ديونها. ويقع أيضا على عاتق الدول المتقدمة عبء تبديد مخاوف تلك الدول وشكوكها تجاه عدالة النظام التجاري العالمي، بتبني قواعد عادلة للتجارة الدولية تضمن فتح الأسواق أمام صادراتها وعدم تبني تدابير وقيود مجحفة تعيق تدفقها.
في حين يقع على عاتق حكومات الدول الأقل نمواً عبء العمل الحثيث على بناء المؤسسات والأطر التنظيمية وإيجاد بيئة مواتية من خلال تفعيل آليات اقتصاد السوق. وعلى الدول كافة والمؤسسات المالية الدولية مواصلة المساعي لمساعدة تلك الدول في تبني السياسات الاقتصادية الملائمة وتنفيذ الإصلاحات الهيكلية الكفيلة بدعم التنمية. وقال معاليه إن المملكة العربية السعودية انطلاقاً مما تمليه عليها تعاليم دينها الإسلامي الحنيف، واستشعاراً منها بمسئولياتها الدولية والأخلاقية تجاه الدول الأقل نمواً، اهتمت بالغ الاهتمام بدفع عجلة التنمية بتلك الدول، حيث بلغ إجمالي ما قدمته من مساعدات غير مستردة وقروض ميسرة خلال العقود الثلاثة الماضية ما يقارب 100 مليار دولار، استفاد منها 95 دولة نامية في مختلف قارات العالم. وشملت تلك المساعدات القطاعات الأساسية للتنمية من صحة وتعليم وبنية أساسية». واستمراراً لنهج المملكة في دعم العمل التنموي، وسعيا منها للتخفيف من وطأة الفقر والسعي إلى استئصال الأمراض والأوبئة، أعلنت عن مساهمتها بمبلغ مليار دولار في صندوق مكافحة الفقر في العالم الإسلامي. ولم تتردد في الاستجابة لنداء المجتمع الدولي بتمويل مشاريع التعليم في الدول النامية، بما يسهم بتوفير فرص التعليم الابتدائي الإلزامي لكافة الأطفال بحلول عام 2015م حيث أعلنت، في القمة الاستثنائية لمنظمة المؤتمر الإسلامي التي عقدت في مكة المكرمة عام 2005م، عن تخصيص مليار دولار أمريكي لمكافحة الأمية في الدول الأعضاء بمنظمة المؤتمر الإسلامي من خلال الصندوق السعودي للتنمية والبنك الإسلامي للتنمية. كما أعلنت عن تبرعها بمبلغ (500) مليون دولار أمريكي كقروض إنمائية ميسرة لمشاريع التعليم في الدول النامية والأقل نمواً عن طريق الصندوق السعودي للتنمية وبشكل مواز لمبادرة المسار السريع لتحقيق هدف التعليم للجميع. إضافة إلى تقديم المنح الدراسية المجانية لمواطني الدول النامية والأقل نمواً لمساعدتها في التحصيل العلمي لكل يساهموا في عملية التنمية في بلدانهم. وحيث أن قضايا الأمن الغذائي وارتفاع أسعار السلع الأساسية أصبحت مصدراً لقلق الكثير من الدول والشعوب. وإسهاماً من المملكة العربية السعودية في دعم الجهود الدولية لمواجهة أزمة الغذاء العالمية والتخفيف من آثارها. فقد تبرعت عام 2008م بمبلغ (500) مليون دولار لدعم جهود برنامج الغذاء العالمي في مساعدة ادول المحتاجة على مواجهة ارتفاع أسعار السلع الغذائية الأساسية، استفادت منه (62) دولة. واستشعاراً من المملكة العربية السعودية بالمسئولية وضرورة التعاون الدولي في موضوع الطاقة الذي يهم شعوب العالم كافة. وإدراكاً منها بضرورة مساعدة شعوب الدول الأقل نمواً. أطلق خادم الحرمين الشريفين مبادرة الطاقة من أجل الفقراء، وهدفها تمكين من يحتاج لمواجهة تكاليف الطاقة المتزايدة. وتحقيقاً لذلك الهدف تم الإعلان عن تخصيص مبلغ (500) مليون دولار أمريكي لقروض ميسرة عن طريق الصندوق السعودي للتنمية لتمويل المشاريع التي تساعد الدول النامية والأقل نموا من الحصول على الطاقة. أما في مجال الإعفاء من الديون، فقد سبق للمملكة أن تنازلت عما يزيد عن 6 بليون دولار أمريكي من ديونها المستحقة على الدول الأقل نموا. كما ساهمت بكامل حصتها في صندوق مبادرة تخفيف الديون لدى صندوق النقد الدولي. بل إن المملكة بادرت بإعفاء عدد من تلك الدول من الديون المستحقة عليها حتى قبل انطلاق المبادرة الدولية في هذا الشأن. وبين أن المملكة العربية السعودية، من خلال موقعها كدولة عضو في مجموعة العشرين، أكدت دوما على رفضها التام لتبني السياسات الحمائية وفرص العراقيل أمام انسياب حركة التجارة العالمية، كحلول لتجاوز تداعيات الأزمة المالية الدولية، كما سعت إلى تأكيد ضرورة معالجة تداعيات تلك الأزمة على الدول الأقل نموا، التي تزداد معاناتها يوما بعد يوم. وناشدت الدول المتقدمة والمؤسسات المالية الدولية القيام بدورها في هذا المقام من خلال توفير الدعم اللازم. وأضاف «أن شعوب الدول الأقل نمواً تتطلع إلى هذا المؤتمر الهام ويحدوها الأمل في أن تكون قراراته على المستوى الذي يحقق لها طموحاتها في العيش في أمان من الخوف والجوع، وبما يوفر للأجيال القادمة حياة أفضل وغدا أكثر إشراقا وطمأنينة. وأؤكد لكم أن أي مساع تبذل لمساعدة الدول الأقل نمواً سوف تكون ذات مردود كبير في طريق القضاء على مثلث الألم والشر: الفقر والأمية والمرض. وختاما، أكرر شكري لكل من بذل جهدا في الإعداد والتنظيم، وأخص بالشكر الجمهورية ومنظمة الأمم المتحدة، كما أشكر جميع المشاركين، مؤملاً أن يخرج مؤتمرنا بما يسهم في إعادة بناء المسار التنموي في الدول الأقل نمواً تحقيقاً لتطلعات شعوبها».