بالرغم من العنوان الأكبر للثورات العربية التي ماتزال يشتعل أوراها هو الحرية.. وأن الشعب يريد إسقاط النظام.. إلا أن المحرك الأكبر.. كما يبدو لي .. هوالخبز.. والخبز هنا يعني أن يطمئن الإنسان على مصدر رزق ثابت.. هناك الكثير بالتأكيد من ثار في ميادين العواصم العربية يبحث عن الحرية بمعناها المطلق، ولكن هناك أيضا
من ثار لأنه لم يستطع أن يوفر الخبز لأولاده.. ولأنه طفح به الكيل بسبب عدم المساواة في توزيع الثروة.. الملايين في العالم العربي.. تحت خط الفقر.. أي أنها لاتستطيع أن تؤمن قوت يومها لذلك فإن المحرض الأول لتلك الشعوب هو الخبز.. خاصة بعد أن اكتشفت أن ثرواتها قد نهبت وحولت إلى مليارات في حسابات خاصة في بنوك الغرب والشرق بينما الفتات هو من نصيب تلك الشعوب.. بالإضافة إلى قبضة الحديد والنار.. فلم تكتفِ تلك الأنظمة بسرقة خبز الشعوب بل حكمت بأنظمة بوليسية صارمة وقوانين للطوارئ حيث تغيب شمس وكرامة أي شخص بسبب تلك القوانين!
للإنسان علاقة قديمة مع الخبز ولأنه يحبه فقد تفنن في صناعة خبزه مدوراً ومستطيلاً ونحيفاً وسميكاً وحلواً ومالحاً ومقرمشاً.. وخبزه آخرون بالعسل والحليب واللحم والجبن ولكنه ما يزال يؤكل أيضا خبزاً (حاف).. أبا عن جد ورث ذلك الحب، يمكن له أن يتخلى عن كثير من الأشياء لكنه ظل وفيًّا للخبز، في الليل يحلم به وفي النهار يقطع الدروب بحثًا عنه لا يهدأ له بال حتى يحصل عليه، رحلة تاريخية طويلة قطعها وكان رفيق دربه، (فزوادته) تعتبر فارغة إذا لم يكن داخلها.. بدونه يتحول إلى وحش ومعه يصبح مسالماً رائق البال.. فالإنسان يصنع الخبز والخبز أيضا يصنعه ويشكل سلوكه.. البشر الذين يشبعون منه، تختلف سلوكياتهم عمن فقدوه أو يرونه فقط في أيدي الأغنياء وأفواههم! من أجله ملئت صفحات التاريخ كفاحاً وحروباً وتحرراً ونضالاً وصراخاً وأدباً وشعراً.. ولأن الإنسان يحب الخبز فقد ضحى من أجله حتى بروحه.. ما زال يحب طعم الحرية لكن للخبز طعماً آخر.. بين الفم وقطعة خبز علاقة يمكن عنونتها بأنها الحياة. ما أبسطه من مطلب لكنه للأسف لا يتحقق دائماً لمئات الملايين في هذا العالم.. سيظل الخبز شعاراً أساسياً للعدل والمساواة والكرامة ومن لا يجده لا يمكنه أن يحب حتى نفسه.. الكارهون وحتى من يقطعون الطرقات ربما فعلوا ذلك لأنهم لم تتم دعوتهم إلى وليمة الخبز!!.
alhoshanei@hotmail.com