إن وسطية الإسلام هي المرتكز الأساسي لتعزيز وتحقيق الأمن الفكري، وهي سمة واضحة من سمات هذه الأمة، وصفة من صفاتها، تتجلى في قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} ومن هذا المنطلق، عقد (مجمع إمام الدعوة العلمي) بمكة والذي يشرف عليه شيخنا الفاضل الدكتور عبدالرحمن بن عبدالعزيز السديس إمام وخطيب المسجد الحرام، ملتقى (تحقيق الأمن الفكري وتعزيز الوسطية والاعتدال) تحت رعاية سعادة وكيل إمارة منطقة مكة، ويعد هذا الملتقى الأول من نوعه يعقد بمكة، وهو خطوة رائعة لتفعيل منهج الاعتدال والتوسط، ونبذ التشدد والغلو، ومعالجة الشبهات التي تغذي الغلو والتطرف، والأخذ بأيدي الشباب إلى العلم والتوجيه، وفق المنهج المعتدل، المستمد من كتاب الله تعالى، وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، بتفعيل دور أهل العلم والدعاة إلى الله تعالى، في مواجهة الانحرافات الفكرية، ولا سيما تيارات الغلو والتكفير، بتوضيح منهج الوسطية والاعتدال في الدين، وتحصين أفكار الشباب للتمييز بين الحق والباطل، وإبعادهم عن أسباب الفرقة والاختلاف، بربطهم بالعقيدة الصافية وترسيخها في قلوبهم:
إن العقيدة ند للحياة فإن
ضاعت فكل حياة بعدها عدم
وربط الناشئة بالعلماء العاملين، والراسخين في العلم، ولا سيما عند وقوع الفتن والنوازل، فالعلماء هم السياج المتين، الذي حال بين الدين وأعدائه، والنور المبين الذي تستنير به الأمة عند اشتباه الحق وخفائه، وهم ورثة الأنبياء في أممهم وأمناؤهم على دينهم، ولأن الرجوع إليهم هو مخرج بمشيئة الله تعالى من الفتن، لكونهم أفقه الناس بالواقع، وأكثرهم تصوراً له، بمستجداته الفكرية والفقهية، وأعلمهم بسماحة الدين وتيسيره.
وقد تضافرت الجهود المباركة، لإقامة هذا الملتقى، فجعلت له ثلاثة محاور:
الأول: تعزيز الوسطية والاعتدال.
الثاني: العلماء والشباب ودورهم في مكافحة الغلو.
الثالث: الشريعة والوسطية.
قدمت خلالها تسعة بحوث (أوراق عمل) من علماء وأكاديميين بجامعة أم القرى، مع إقامة معرض بالملتقى احتوى على عدة أجنحة: جناح الوسطية والاعتدال، وجناح إصدارات الوسطية ومن أبرزها كتاب (بلوغ الآمال في تحقيق الوسطية والاعتدال) للشيخ عبدالرحمن السديس، وجناح مشروع مكة بلا جريمة، وجناح المواطنة في القيم النبوية، وجناح جمعية كفى، بالإضافة إلى دورة تدريبية بعنوان (فن الحوار) وورشة عمل بعنوان (الإعلام ودوره في مواجهة الأفكار المنحرفة) شارك فيها نخبة من الإعلاميين، مع القيام بتوزيع عدد خاص من (مجلة الوسطية) بمناسبة هذا الملتقى، ومن ضمن الأنشطة المصاحبة محاضرة بعنوان (الأمن الفكري أهميته وأثره) لفضيلة الشيخ د. حاتم بن عارف الشريف عضو مجلس الشورى، ولقاء مع معالي الشيخ د. عبدالله بن سليمان المنيع عضو هيئة كبار العلماء والمستشار بالديوان الملكي، ثم اختتم الملتقى أنشطته وفعالياته الممتدة خلال أيامه الثلاث بعدة توصيات من أهمها:
1 - رفع وافر الشكر والامتنان لمقام خادم الحرمين الشريفين، العائد من رحلة علاجه سالماً معافى ومغدقاً على رعيته بكريم الهبات وجزيل العطايا، ثم كلل ذلك بقرارات حكيمة رشيدة أرست قواعد الإصلاح والنماء، فأسبغ المولى الكريم عليه نعمه، وأغدق عليه آلاءه، وأمده بعونه وتأييده.
2 - أن تتواصل الجهود العلمية المتتابعة في تناول قضية الأمن على اختلاف أوجهها، وفي مقدمتها الأمن الفكري تجلية وتوعية، تأصيلاً وتفريعاً.
3 - أن يأخذ مفهوم الأمن الفكري مساحة من الاهتمام توازي ضرورته وأهميته.
4 - أن يعتني الأئمة والخطباء بالأمن الفكري في الخطب والدروس، وأن تولي القنوات الإعلامية بذلك اهتماما في برامجها.
5 - أن يعتني العلماء والدعاة بمنهج الوسطية والاعتدال ويولونه عناية تامة من حيث تحريره وبيان حقيقته ومعالمه وآثاره.
6 - أن يحرص أرباب العلم والفكر بالأخذ بزمام الأمور وإماطة اللثام عن كل ما يستجد من قضايا فقهية وفكرية، والعكوف على بيان الحق، ثم بثه وإشاعته للناس، مؤمنهم وكافرهم، بكل وسيلة ممكنة.
7 - أن ننتقل بمنهج الوسطية والاعتدال من دوائر التنظير إلى ساحات التطبيق وميادينه الفسيحة في شتى شؤون الحياة.
8 - الأخذ بمبدأ الحوار والنصح المستمد من كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
وعليه، فإن إقامة ملتقى علمي كهذا يدعو لحفظ الأمن والاستقرار بأرض الحرمين الشريفين والالتفاف حول علمائنا الكرام ومعرفة حقوق ولاة الأمر، ورحمة الأنفس البشرية، والمحافظة على الضروريات الخمس، باستقطاب جمهرة من أهل العلم والفضل، لمبادرة كريمة ومشاركة فاعلة ومدعاة للفخر والاعتزاز والشكر لهذا الصرح الشامخ (مجمع إمام الدعوة العلمي) ممثلاً في المشرف عليه فضيلة الشيخ د. عبدالرحمن بن عبدالعزيز السديس، فهو لم يألُ جهداً في بذل النصح والتوجيه في هذا الملتقى خاصة، وللأمة الإسلامية عامة عبر منبر الحرم الملكي الشريف، والشكر موصول لنائبه شيخنا د. صالح السديس، وللجنة العلمية المنظمة لهذا الملتقى، فقد بذلوا جهوداً حثيثة في سبيل إنجاحه، وتنظيم المناشط العلمية المصاحبة، ونسأل الله تعالى أن يوفق الجميع لما فيه خدمة أمننا ووطننا وفكرنا، إنه سميع مجيب.