تحت ضغط الكثير من القراء وعتبهم المتواصل عن توقفي عن الكتابة وعدم الإطلالة عليهم من خلال جريدتي العزيزة -الجزيرة- وتلميح وتصريح بين الحين والآخر من أخي العزيز والصديق فهد العجلان نائب رئيس التحرير، ها أنا أعود نزولاً عند رغبة الجميع، وإن كنت مشغولاً حتى الثمالة. أقول في هذا المقام إنه في 24-25 أبريل الماضي، قامت الغرفة التجارية بتنظيم ملتقى الإعلام الاقتصادي ممثلة في لجنة الإعلام الاقتصادي. وحتى لا أكون متطرفاً في حكمي، فإن ثقافة الشكر في عالمنا العربي تنطفئ وتخبو من سلوكياتنا وأخلاقنا، فكلمة شكراً على أي عمل منجز وطموح هي كلمة ضنينة وشحيحة على لسان كثير من البشر، ويبدو أن للتكوين النفسي لكثير من الفاشلين ارتباطاً ذا بعد اجتماعي ونفسي بذلك، فالشاكرون في المجتمعات المتقدمة على الأعمال المنجزة والمشاريع الناجحة هم أناس لا يملكون بين جينات وطيات مشاعرهم أي عوامل سلبية تقاوم الشكر وتنقم منه. أعود هنا لمسألة الشعير، فالمثل الشعبي يقول (مثل الشعير مأكول مذموم)، وكان الشعير في الماضي يمثل المادة الأساسية لكثير من الطبخات والوجبات الرئيسة في ذلك الوقت، فهو موجود على الأصناف والمأكولات كافة ويُعمل منه الخبز ويطحن ويُأكل ويستخرج منه كثير من الأصناف، ومع هذا فهو مذموم مدحور عند الجميع، بل إنهم يمثلون بالأشخاص غير الجيدين بالشعير فيقولون «فلان كالشعير»، وإخواننا المصريين ينطلق منهم مثل بغاية الجمال، فإذا ذهب أحدهم لأمر ما ثم عاد يقولون له (قمحه أو شعيره)، كناية عن النتيجة التي وصل إليها هل هي قمحة (أمر جيد) أم شعيرة، وهو الأمر الذي لا يريدونه. ما أقصده من مقدمتي أن أي عمل يُنجز وأي مشروع فيه كثير من العناء فإن أعين معظم الناس لا تقع على مواطن النجاح ودوائر الإنجاز بل على منطقة الضعف والعجز، فهو لا يرى في الصفحة البيضاء إلا النقطة السوداء. وكان لكاتب هذا المقال شرف الإشراف على الكثير من خطوات ومراحل الملتقى، وأنا هنا أيها القارئ العزيز لن أتحدث عن تفاصيل اللقاء وما دار فيه من جلسات ولقاءات جانبية، ولكني سأجنح إلى قراءة هادئة حول من يعيش داخل المطبخ لإعداد وإخراج وإنجاح هذا الملتقى حتى يُقام ويُختتم، وهذه عملية تشبه عملية المخاض بشكل كبير، فإما أن يخرج الجنين مشوهاً وبإعاقة، أو يخرج سليماً معافى.
مرحلة المخاض هنا أيها السادة هي مرحلة دراماتيكية وشاقة في الوقت ذاته وفي السياق نفسه، فإنها تحتاج للكثير من الصبر والمعاناة ودرجة التحمل، لأن النجاح -وكما يذكر علماء الإدارة- المرتبط بالآخر هو من أصعب النجاحات، حيث إن النجاح المرتبط بالإنسان ذاته ممكن السيطرة عليه والتحكم في أبعاده، بينما النجاحات المرتبطة بالآخرين فإنها نجاحات مضنية وشاقة، فهذا تجامله، وهذا تحاول أن تقنعه، وهذا تحاول أن تحتويه، وآخر تحاول أن تستميله إليك، وخامس تستعطفه ليقف معك على صعيد ما. إن الوقوف في مسافة معتدلة مع كل الأطراف العاملين معك في الفريق أو حتى الخارجين عن دائرة عمل الفريق هي مسألة في غاية الصعوبة، فإن تلعب في ميدان تطوعي تحتاج إلى كثير من الحكمة والدراية والتعامل بحكمة وحنكة وكثير من الصبر، فهي مسألة تحتاج إلى تحمل جمل. ولا يخفى عليك أيها القارئ الكريم أن العمل التطوعي هو من أصعب الأعمال لأنه لا يقوم في الغالب على مبدأ الثواب والعقاب الذي سنته أساطير الإدارة وعلماء النفس، بل إنه يقوم على ثقافة الفزعة وحبل المروءة والمجاملة، وهذا من أصعب الميادين الذي يكر فيها القائد ويفر.
حتى أكون منصفاً وموضوعياً في طرحي، فإنني تفاجأت بالكثير الذين يريدون أن يعملوا وينجحوا ويتعلموا من التجربة، ولكن وبالقدر ذاته من هذا الإقبال إلا أن هناك أناساً تريد أن تعطل مسيرة العمل وحركة التقدم. يقول ستيفن كوفي في كتابه الشهير العادات السبع «اعمل وأنت ترى الهدف النهائي أمامك». وكان هذا المبدأ هو ديدننا وحافزنا. ويقول علماء الإدارة أيضاً إن كل عمل وبالذات العمل الناجح يعتريه النقد والقيل والقال، فإذا أردت أن لا تُنتقد فعليك بالاسترخاء في بيتك. ومن نافلة القول هنا وضرورة المقام أن لا ننسى كل من ساندنا بفكره وماله وجهده ووقته، فلهم منا جزيل الشكر والعرفان، وأخص بذلك القائمين على غرفة الرياض والإخوة الرعاة والمتحدثين في هذا الملتقى والوسائل الإعلامية المرئية منها والمقروءة والمكتوبة، فلهم مني ومن كل أعضاء اللجنة جزيل الشكر وكامل العرفان. وسيكون مقالي القادم -بحول الله حول- سيكولوجية السعادة وأثرها على نجاح الفرد والأمم.