قبل أيام سمعت مستشارًا قانونيًا في إحدى الإذاعات يتحدّث مع المذيعة حول قضايا المرأة العالقة في المحاكم، وهي قضايا تتعلق بالأحوال الشخصية من طلاق وخلع ونفقة وما شابه ذلك، وهي قضايا تزداد مع تعقّد المجتمع وتباين طبقاته، وهذه القضايا معروفة للجميع، لكن أكثر ما لفت انتباهي في حديثه، وجعلني أستعيد حكايته منذ الأسبوع الماضي، وأتمعّن فيها، وأسأل عن أسبابها، وما الذي أوصلنا إلى ذلك هو غرابة هذه الحادثة الذي قال: إنها تحدث أحيانًا في المجتمع، وإليكم هذه الحكاية الغريبة والمحزنة، تلك التي لا تليق بالمجتمعات المدنية فضلاً عن مجتمع مسلم!
يقول: إنه في بعض الأحيان يذهب الزوج بصحبة شاهدين إلى المحكمة، ويقرّ أمام القاضي بأنه طلّق زوجته فلانة، ثم يخبرها بعد ذلك، ولكنه وقبيل انتهاء فترة العدّة، يقوم بمراجعتها على المستوى الأسري العائلي، دون أن يذهب إلى المحكمة ويخبر القاضي بمراجعته زوجته، وأنها أصبحت على ذمته، ويعيش معها حياة الأزواج، فينجب منها خلال سنوات تلي هذه الحادثة، وحين يأتيه أجله، يأتي ورثته من زوجته الأخرى، أو زوجاته الأخريات، فيبحثون عن وثيقة طلاق فلانة، كي لا ترث منه بعد وفاته، وهو أمر صحيح قانونيًا، فهي امرأة مطلّقة حسب الأوراق الرسمية، وليت الأمر يتوقف عند ذلك، وأن تفقد نصيبها الذي أقره لها الإسلام، بل يطالب هؤلاء بأن لا يدخل ابن الزوجة أو ابنتها المولودة بعد حادثة الطلاق ضمن الورثة، أي أنها تتهم في شرفها وفي نسب أولادها، ويتهم الأب في قبره، وهو أمر يؤيده القانون ومستندات المحاكم، فكيف ستكون حالة هذه السيدة العفيفة؟ وكيف ستكون حالة أولادها وأسرتها؟
هذه الحادثة التي شرحها المستشار على عجل، وأكد على ضرورة أن يخشى هؤلاء الله في تصرفاتهم، وألا يستهينوا في أمور قد لا يدركون تبعاتها، ولكن ما يهمني هنا هو كيف يمكن أن تفرض المحاكم نظامًا دقيقًا جدًا في الأحوال الشخصية، يحفظ للناس حقوقهم، وكيف يمكن توعية الناس، رجالاً ونساءً، في حفظ حقوقهم وحقوق غيرهم، كيف تفرض عقوبات صارمة ضد هؤلاء المتهاونين في الأمور الشخصية الشرعية، هؤلاء الذين لا يقيمون لأنظمة الأحوال الشخصية وزنًا ولا قيمة!.
أدرك أن حالات الناس في الواقع أشد غرابة مما يُحكى أو يُسمع، وقد تتضرر المرأة كثيرًا مما يحدث أكثر من غيرها، بحكم تركيبة المجتمع، إلا أن اللجوء للثقة والأعراف الاجتماعية والتقاليد وغيرها من الأمور التي نشأنا عليها لم تعد تكفي، بل لابد أن تحاط المجتمعات التي تكبر وتنمو بقوانين مكتوبة، فلا يحق للرجل استعادة زوجته إلا عن طريق المحكمة بعد أن طلقها في المحكمة، ولا يحق له طلاقها شفهيًا دون تسليمها صك طلاقها، وهو المستند الرئيس لزواجها فيما بعد.
شخصيًا أتمنى أن تكون هذه الحادثة وما يشبهها مما رواه المستشار القانوني هي من نسج الخيال، لكن نبرته وحسرته وهو يروي ذلك يؤكد أن هذه القضية وغيرها مما يشيب له الرأس حدثت وما زالت تحدث باستمرار، ولعل قيام المحاكم القضائية ممثلة في وزارة العدل بتوعية المجتمع، أو فرض مواد دراسية في قانون الأحوال الشخصية في المراحل الأخيرة من التعليم العام، تخفف من حدوث هذه المآسي في المجتمع.