قد لا يندلع أي جدل علمي موضوعي أو مهني محترف حول أهمية وفاعلية، بل وحتى شرعية قرار وزراء خارجية الدول العربية الذي دعا مجلس الأمن الدولي إلى تحمل مسؤولياته إزاء تدهور الأوضاع السياسية والأمنية والإنسانية في دولة ليبيا العربية باتخاذ الإجراءات الكفيلة بفرض حظر جوي على حركة الطيران العسكري الليبي فوراً.
فالقرار العربي، الذي اعتبر جرائم وانتهاكات النظام الليبي غير مقبولة أفقدته شرعيته السياسية للحكم، يعد قراراً سياسياً عربياً فريداً من نوعه بل سابقة سياسية عربية غير مسبوقة من قبل، وعسى ألا يكون أيضاً قراراً غير ملحوقاً من بعد. فالجامعة العربية في حاجة ماسة لمصداقية سياسية ولو محدودة على الأقل على كافة المستويات خصوصاً على مستوى الشعوب العربية، كما ونأمل أيضاً ألا يكون هذا الحراك السياسي العربي الفاعل حالة مؤقتة.
القرار العربي صريح وواضح من حيث رفع غطاء الشرعية السياسية العربية عن النظام الحاكم للعقيد معمر القذافي من جهة، ومن الجهة الأخرى، قد يعد مؤشراً واضحاً ودليلاً ملموساً لاعتراف عربي شرعي بالمجلس الوطني الانتقالي في ليبيا. ولعمري أن القرار من القرارات القليلة التي توفر الدعم العاجل للشعب الليبي لتنقذه من استمرار تواصل المجازر الوحشية التي ترتكب بحقه من قبل نظامه الحاكم.
لذا بات من الواضح أن قرار الشرعية العربية جاء في الوقت المناسب، أو لنقل في وقت متزامن ومتماشي مع توجهات ومقررات الشرعية الدولية التي نشطت منذ بداية الأزمة الليبية لاتخاذ الإجراءات اللازمة لإنهاء حالة العنف السياسي المنظم الموجه ضد الشعب الليبي. فالضغوط الدولية على نظام العقيد القذافي كانت في حاجة ماسة لضغوط إقليمية عربية تحديداً.
هنا تحديدا بات مناطا بمجلس الأمن الدولي ودوله العظمى الخمس اتخاذ الإجراءات السياسية والعسكرية المناسبة لوقف العمليات العسكرية الجوية لقوات العقيد القذافي ضد الشعب الليبي بداية من فرض حظر جوي على الطيران العسكري الليبي وتنفيذه بالقوة العسكرية سواء بضرب الدفاعات الجوية العسكرية الليبية أو إسقاط الطائرات الحربية المغيرة على الشعب الليبي.
هذا ما حدث فمجلس الأمن الدولي تحرك من جانبه في تطور سياسي دولي جديد من نوعه ليتخذ قراره بفرض حظر جوي على حركة الطائرات الليبية المقاتلة وتم فرضه بإشراف وتحكم أمريكي ومن ثم تم نقله للقيادة العامة لحلف شمال الأطلسي الذي تديره وتوجهه الولايات المتحدة الأمريكية أيضاً.
هذا ما أكدته واشنطن على لسان وزيرة خارجيتها «هيلاري كلينتون» من أن دولتها لن تكون الدولة الوحيدة التي يناط بها تنفيذ القرار الدولي الذي اتخذه مجلس الأمن للتدخل في الشأن الليبي بفرض حظر جوي عسكري على الأجواء الليبية. تلكم كانت إشارة واضحة لعزوف واشنطن عن العمل العسكري المنفرد من جهة، ومن الجهة أخرى حتى لا تكرر ما حدث لها في العراق وتبعات ذلك على المستوى الشعبي العربي تحديداً.
لذا كان كما كان متوقعاً (انطلاقاً من منطق حقائق مناطق النفوذ الإقليمية للدول العظمى، ولكون كل من روسيا الاتحادية والصين الشعبية لا تملك القوة العسكرية الإقليمية لتنفيذ القرار)، أن يضطلع حلف شمال الأطلسي (الناتو) بتنفيذ القرار الدولي لمنع العقيد القذافي من استخدام سلاحه الجوي ضد الشعب الليبي. فالحلف يملك القوة العسكرية الجماعية، خصوصاً من الدول الرئيسة فيه: أمريكا، بريطانيا، فرنسا، إيطاليا، وألمانيا، لفرض كافة متطلبات الحظر الجوي العسكري ولمواجهة كافة تبعاته وتداعياته العسكرية ولربما أيضا غير العسكرية.
حتى الآن فإن ما يحدث في ليبيا هي حرب أهلية بين الثوار وقوات العقيد القذافي الموالية له، وهي حقاً إن الأحداث السياسية والعسكرية التي تتسارع في ليبيا بشكل خطير وبذا تشكل خطورة بالغة على الشعب الليبي، لكن ولأول مرة في تاريخ العالم تسهم هذه الأحداث في صياغة موقف خليجي، ومن ثم عربي، وأخيراً دولي موحد لاتخاذ ما يمكن اتخاذه من قرارات وسياسات توقف وقوع المزيد من الضحايا الأبرياء من أبناء الشعب الليبي.
بمنطق مقارن، فإن الأحداث السياسية في كل من مصر وتونس، التي استبقت أحداث ليبيا، جرت بشكل سلمي مع قليل جداً من الخسائر البشرية، بيد أن الأحداث في ليبيا جرت بشكل مغاير كلية، ولكن بشكل تقليدي متوقع فعله من قبل نظام العقيد معمر القذافي، الذي قرر كما كان متوقعاً منه خوض حرب شرسة ووحشية ضد شعبه للبقاء بالقوة على نواصي رقابهم أودت بحياة المئات ولربما الآلاف من أبناء شعبه.
صحيح أن لكل دولة بيئة سياسية واجتماعية وثقافية مختلفة عن الدول الأخرى حتى تلك التي ترتبط معها في عوامل الجغرافيا والتاريخ والثقافة، التي دائماً ما تسهم في نشوء الأحداث وظهورها، أو بروز أحداث مكملة أو مغايرة، أو حتى ولادة أحداث جديدة لم يكن متوقعاً حدوثها من قبل، بيد أن وجود الظلم والقمع والقهر والاستبداد والاستعباد للشعوب العربية يصعب استمراره في العصر الحديث خصوصاً مع انتشار حدة الفقر والجهل والمرض والفساد تفضحها بشكل واضح وسائل الاتصالات الإعلامية والإليكترونية الحديثة.
كما وأن وجود السلطوية السياسية وأنظمتها ومناهجها السياسية والإدارية والمالية والاقتصادية المفعمة بالفساد والظلم والقمع لم تعد لتعكس مطالب الشعوب ولا احتياجاتها في عصر العولمة والثقافة الكونية التي أصبح من السهل جداً إنشاء شبكات من التنظيمات الاجتماعية والسياسية عبر الإنترنت ليس وحسب لفضحها وإنما لمواجهتها لمختلف الوسائل الشعبية المتاحة التي بات من السهل حصولها على دعم الشرعية الدولية والمجتمع الدولي. الحقيقة الأصح تؤكد أن ما يحدث في ليبيا هو تطور سياسي إقليمي ودولي لم يسبق له مثيل من قبل في تاريخ المنطقة والعالم كله، مما يعني أن الشرعية الدولية والشرعية الإقليمية بات لهما دور كبير في تقرير مصائر الشعوب التي تعاني من ديكتاتورية الفرد المطلقة.