مهما كانت التوقعات على المدى القصير، فإن أثر مقتل زعيم تنظيم القاعدة «أسامة بن لادن»، لا يعني بالضرورة، انحسار العمليات الإرهابية في دول العالم. فأذرع تنظيم القاعدة مترامية الأطراف، أوسع من كونها مؤسسة ذات قيادة مركزية محكمة. وهي - لا تزال - نشطة، - سواء - كان ذلك على مستوى التنظيم الأم في منطقة جنوب آسيا، أو على مستوى فروعه في بلاد العراق، أو في بلاد المغرب العربي، أو في بلاد اليمن. وستواصل عملها - بلا شك - عن طريق خلاياها النائمة؛ لتؤدي شيئا من المهمة، انطلاقا من شعار: «اللامركزية» التي تعتمدها.
غياب «أسامة بن لادن»، باعتباره شخصية كاريزمية، وأسطورية جذابة، سيكون له أثره البالغ على مستقبل التنظيم. وسيكرس - بالتالي - انحسار الجاذبية الأيديولوجية للتنظيم. وستختلف الآراء حول سقوط «أسامة بن لادن» بين مؤيد ومعارض، ولكن في اعتقادي: أن تنظيم القاعدة لم يعد مؤسسة مركزية، - خاصة - بعد أن شهد إخفاق فكرته على أرض الواقع، وعدم قدرته على ممارسة عملياته بشكل أوسع، أو تنفيذ أجندته الإقليمية.
منذ فترة ليست بالقصيرة، افتقد تنظيم القاعدة شيئا من جاذبيته الشديدة، الأمر الذي جعله من الصعب، أن يروج صورته كبديل، كما كان يفعل سابقا، - لاسيما - فيما يتصل برؤيته السياسية المشوهة، وذلك وفق قراءته الجهادية بمحاربة «الصليبية العالمية»، مما يعني تراجع الخطاب الراديكالي العنيف المرتبط بتنظيم القاعدة، هذا من جهة. ومن جهة أخرى، فإن تزامن الإعلان عن مقتل «أسامة بن لادن»، يأتي في الوقت الذي ترى فيه الشارع العربي في بعض الدول العربية، ثائر على حكوماته، وما زالت تهدد أخرى غيرها، بطريقة لم يتمكن تنظيم القاعدة من مجاراتها.
كتبت مرة بعد مرة، أن ما يحدث اليوم، لم يكن سوى مقدمة، لما هو أكبر، وأعقد من تنظيم القاعدة، والإرهاب. فلتلك الدول طموح قديم، في فرض أجندتها وفق إستراتيجية شاملة، تتداخل فيها عوامل عدة، من أهمها: إعادة تشكيل خارطة التوازنات، والتحالفات الإقليمية في المنطقة. مما يستدعي قراءة المشهد قراءة واعية، والتعاطي مع الأزمة بإيجابية فاعلة، والتحرك؛ لكبح جماح تمدد تلك الدول، قبل أن نفيق على واقع مؤلم.
إن على العقلاء دورا كبيرا ببذل المزيد؛ لفهم ما يجري حولنا بدقة، وبعيدا عن أي رد فعل يأتي في إطار الجدلية، حتى لا تضطرنا الأحداث الرجوع إلى مربع الصفر، أو عودة البوصلة باتجاه ليس في مصلحتنا، فيزداد الأمر أكثر سوءا، وتعقيدا. وتجعلنا في حالة استنفار دائم أمام حسابات؛ لمواجهة إرهاب تنظيم القاعدة، حسبما تراها المقاييس الأمريكية.
drsasq@gmail.com