كتبت الأسبوع الماضي عن أزمة الأسمنت، وأشرت إلى بيروقراطية وزارة التجارة والصناعة، والبطء في منح تراخيص المصانع، وربما رفضها، ما يؤدي إلى حدوث فجوة في الإنتاج تقود؛ مع مرور الوقت؛ إلى ظهور أزمات السوق. المعرفة الدقيقة باحتياجات السوق، وتطورات الطلب يُساعد في وضع خطط الإنتاج الإستراتيجية المانعة لحدوث الأزمات المفاجئة المُرتبطة، في الغالب، بسوء التخطيط.
وزارة التجارة والصناعة ليست الجهة الوحيدة المسؤولة عن قصور التخطيط الإستراتيجي، والحد من الاستثمارات الصناعية المُسببة لحدوث أزمات قطاع الإنتاج؛ الأكيد أن هناك وزارات أخرى على علاقة بالمشكلة، ومسؤولة عن وضع الخطط الإستراتيجية، ووضع تصور متكامل لتطور الطلب المحلي على السلع والخدمات، وفق دراسات علمية تقوم على أرقام دقيقة، ورؤى مستقبلية، تجنب البلاد والعباد عنصر المفاجأة.
فوزارة التخطيط مسؤولة عن رسم الإستراتيجية المستقبلية للاقتصاد، وحاجاته الأساسية، الإنتاجية منها على وجه الخصوص؛ ووضع خطط إستراتيجية واضحة للقطاع الصناعي، اعتمادا على حاجة السوق الآنية والمستقبلية وفق بيانات دقيقة تعتمد على المتغيرات المستقبلية التي يفترض أن تكون أكثر اطلاعا عليها من الآخرين كالتغير السكاني، نمو الطلب، الحاجة المستقبلية، رؤية الحكومة، وتوجهها في كل ما له علاقة بقطاع الإنتاج، والمتغيرات المحلية والعالمية وكثير من البيانات المهمة التي يعتمد عليها المستثمرون في اتخاذ قراراتهم، وتوجيه استثماراتهم نحو القطاعات الأكثر حاجة للتوسع المستقبلي. يُفَترض أن تقوم وزارة التخطيط بوضع خطط مستقبلية دقيقة لعشر سنوات قادمة بحيث تتضمن المعلومات الاسترشادية التي يمكن أن يثق بها، ويعتمد عليها المستثمرون. لا يمكن للمستثمرين المغامرة في الأسواق الضبابية التي لا تتوفر فيها الرؤية المستقبلية المحققة للنجاح، والاستقرار؛ أو الأسواق التي تكثر فيها القرارات المفاجئة المضرة بمستقبل الاستثمارات الصناعية كتغير تعرفة الطاقة المفاجئ، أو تقنين استغلال المواد الطبيعية، أو تكلفة اللقيم المدعوم وغير ذلك من قرارات قد تضر بمستقبل الصناعات، ومصالح المستثمرين.
مصلحة الإحصاءات العامة مسؤولة عن تقديم البيانات الدقيقة، وهي بيانات يعتمد عليه قطاع الأعمال في اتخاذ قراراتهم الاستثمارية، إضافة إلى ذلك، يمكن لمصلحة الإحصاءات العامة أن تقدم العون للحكومة في كل ما له علاقة بالمتغيرات المهمة التي تحتاج إلى تدخل الحكومة للتعامل معها وفق خطط إستراتيجية مستقبلية. ما زالت بيانات مصلحة الإحصاءات العامة قاصرة، ومتأخرة في كثير من الأحيان، ولا يمكن للمستثمرين الاعتماد عليها، إضافة إلى الخلط الكبير في البيانات المقدمة ذات العلاقة بالمنتجات المستوردة. تبويب المعلومات، والتصنيف الدقيق للمنتجات بحسب النوع، الحجم، المصدر أمر في غاية الأهمية وهو مالا نجده في البيانات الإحصائية الصادرة محليا، بعكس بيانات الدول الأخرى، كالبيانات الأميركية على سبيل المثال لا الحصر التي تهتم في أدق التفاصيل، وتقدمها في وقتها المحدد. دراسات الجدوى تعتمد كثيرا على بيانات المصلحة، وكلما كانت تلك البيانات دقيقة وواضحة زادت نسبة الصواب في الدراسات والعكس صحيح.
وزارة البترول ممثلة في وكالة الوزارة للثروة المعدنية قد تكون إحدى الجهات المتسببة في حدوث الأزمات، فمصانع الإسمنت وبعض المصانع الأخرى، تعتمد في مدخلاتها على المواد الطبيعية التي تحتاج إلى تراخيص خاصة كرخص التعدين، محجر المواد الخام، محجر مواد البناء وغير ذلك. وكالة الوزارة تعمل بمعزل عن الخطط الإستراتيجية الداعمة لقطاعات الإنتاج، ما يجعلها غير قادرة على تلبية طلبات المستثمرين وفق الأنظمة والمحققة للمصلحة العامة. يشتكي بعض المستثمرين في القطاعات الصناعية من صعوبة الحصول على تراخيص الوكالة ما يعطل استثماراتهم، وبالتالي صرفهم النظر عنها برغم الحاجة الملحة لها. مثل تلك التعقيدات تؤدي إلى حدوث فجوة في الإنتاج مقارنة بالطلب وهو ما يقود إلى ظهور الأزمات المفاجئة.
غياب الإستراتيجية الوطنية يساعد على تكريس العمل الانفرادي لوزارات الدولة، وهذه من أهم العيوب المؤثرة سلبا في قطاعات الإنتاج. التخطيط الإستراتيجي يحدد الأهداف بدقة ويفرض على الوزارات المعنية التنسيق فيما بينها والعمل كفريق متناسق لتحقيق تلك الأهداف بعيدا عن البيروقراطية، والعمل المنفرد. علاقة المستثمرين في قطاع الإنتاج متشعبة مع وزارة التجارة، المالية، البترول والثروة المعدنية، التخطيط، ووزارات خدمية أخرى وبذلك فهم بحاجة ماسة إلى تضافر جهود الوزارات والتنسيق فيما بينها، وفق رؤية إستراتيجية دقيقة، لتقديم الدعم الكامل من أجل تحقيق تنمية صناعية توفر احتياجات السوق، والدعم الأمثل للاقتصاد الوطني.
f.albuainain@hotmail.com