بعد زواج استمر 12 سنة، كان ثمرته أربعة من الولد، وبعد حياة ملؤها خصومة وخلافات وشقاق وعدم تفاهم بيني وبين زوجي، لم يكن من حل غير الطلاق، وقد كان، وأنا الآن أعيش عند أهلي وأولادي معي، ويزورون والدهم كل شهر، والمشكلة تتمثل في والدتي في تغذية مشاعر أبنائي السلبية، والحديث بالسوء عن والدهم وأهله بمناسبة ودون مناسبة، وأنا أحياناً أجدني منساقة مع والدتي بالحديث عن طليقي بالسوء، فهل ما نفعله صحيح؟ أنر طريقنا أنار الله طريقك في الدنيا والآخرة..
ولكِ سائلتي الفاضلة الرد:
أياً كانت المبررات والأسباب والدوافع التي أدت إلى الانفصال وانهيار العلاقة بينك وبين زوجك، وأياً كان حجم الظلم الذي نالك والأذى الذي لحق بك، فليس من كرم النفس ولا طيب المعدن ولا صدق الإيمان أن تجعلي أنت ووالدتك من الصغار (مسرحاً) لتصفية الحسابات! وكم هو مؤسف ما يمارسه بعض الأزواج عند تعذر استمرار العلاقة بعد سنوات طويلة من الزواج، حيث النكران والجحود وسوء خاتمة لحالات كثيرة، ناهيك عن الفجور في الخصومة ومحاولة التنكيل والتشفي من الشريك والنَّيل منه وإلغاء كل إيجابياته وتشويه صورته، ومع أجواء النزاع قد تُرتدى نظارات معتمة تعمي عن الفضائل وتضخم الرذائل، ولربما ذهب بهما الحقد إلى اختلاق الأكاذيب ونسج الشائعات، ولست أعلم ما الذي يمنع الزوجين من إنهاء العلاقة دون نسف أركان الأسرة، وبأقل قدر من الخسائر؟ وذلك بطلاق راقٍ إنساني متحضر! وهو الذي يدخل تحت مظلة {ولا تنسوا الفضل بينكم}، فالعاقل لا تحركه الأهواء ولا تعبث به الأمزجة، عصياً على الذكريات السوداء متسامياً على الضغائن والأحقاد..
ولا خير في خلّ يخون خليله
ويلقاه من بعد المودة بالجفا
وينكر عيشاً قد تقادم عهده
ويُظهر سراً كان بالأمس قد خفا
ومن أكثر السلوكيات إيلاماً للقلب وأشدها وطأة على النفس أن يُستخدم الصغار - كما فعلتِ أنتِ ووالدتك - كأسلحة في حروب (دنيئة) نتيجتها المنطقية هي حرمان الصغار من طفولة مستقرة آمنة؛ فأجواء الخصومات تخلق لنا قلوباً حاقدة وعقولاً مرتبكة، وزرع بذور الكراهية للطرف الآخر في قلوب الصغار لربما تروي شيئاً من الغليل، ولكن للأسف فالنتيجة المستقبلية هي أمان مفقود وحقد على الجميع بل وكره للحياة، وليس أصعب على النفس أن تُجبر على كره من تحب، وأن تعُادي أقرب الناس إليها وجعله في مربع الأعداء والخصوم! وأقل ما يوصف هذا بأنه (اغتيال) متعمَّد للبراءة، وانتهاك صارخ لضعف الطفولة! وإن لم تنتهِ أنتِ ووالدتك عن هذا السلوك الشائن واضعتَيْن مصلحة الصغار فوق درجة احتقان الموقف ولهيبه فسوف ينالكما من وخزات الأسى ولسعات الندم ما لا يسعكما احتماله.
لقد فات عليكِ وعلى والدتِك حاجة الأولاد إلى أبيهم وأهله؛ فهم أهلهم واليهم ينتسبون، والإنسان إذا ما أحس بالانتماء وشعر بوجود أهل له وتعمقت علاقته بهم أَمِن ذئاب الطريق وغدرات الأيام ووخزات الليالي، واستند إلى ظهر يحميه من عثرات الحياة، وتعاظم الإحساس عنده بالجدارة والكرامة، ولن تزوره مرارة الإحساس بانعدام السند والنصير.
إن تشجيع الصغار على النفور من والدهم وتغذية الحقد فيهم تجاهه بدلاً من الحب، والشك في أقرب الناس إليهم بدلاً من الاطمئنان إليهم، كل تلك الحماقات ستُقدِّم للمجتمع - كما أسلفتُ - شخصاً مضطرب المشاعر حاقداً قد حكم عليه مَنْ غرس في روحه هذا البغض للأهل في الصغر بأن يحيا حياة تعيسة، يحيا بإحساس العاجز عن حب الآخرين واكتساب مودتهم.. وأحذرك أيتها الفاضلة بسوء الخاتمة؛ لأنك سوف تنكوين بنار تصرفاتك؛ فالنار حين تشتعل وتمتد ألسنتها فإنها لا تنتشر بطريقة منظمة انتقائية فتقدم الدفء لهذا وتتفادى هذا وتحرق ذاك، وإنما تتجه ألسنتها المستعرة في اتجاهات عشوائية لا تُميّز ولا تُبقي ولا تذر! ومَنْ رضع الكراهية من أمه لأبيه مظنة أن تمتد كراهيته في وقت قريب إلى مَنْ أرضعه لبن البغض والحقد؛ ولهذا فإنه بالرؤية النفعية والمنطق القائم على المصلحة البحتة فليس من صالحك ما تفعلين نهائياً!
أما بالنظرة الشرعية والرؤية الأخلاقية فيكفي قاطع الرحم والمحرِّض عليه ما جاء في حديث السيدة عائشة - رضي الله عنها - عن النبي - صلي الله عليه وسلم - من قوله: «الرحم معلقة بالعرش تقول: مَنْ وصلني وصله الله ومَنْ قطعني قطعه الله». صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وخلاصة القول: أيتها الفاضلة، إن شئت أن يقطعك أولادك ويقطعون والدهم ويعيشون في صراع فكري وارتباك عاطفي فاستمري على ما أنتِ عليه، وأنتِ وما اخترتِ، وإن شئتِ غير ذلك فالطريق واضح وقصير، ولا يحتاج إلى دليل!
شعاع:
لن تستطيع أن تمنع طيور الهمّ أن تُحلّق فوق رأسك، ولكنك تستطيع أن تمنعها من أن تعشش في رأسك..