تزخر بلادنا الغالية بالمواقع الأثرية القديمة والكثيرة في كل المناطق، والتي تعود إلى عصور قديمة فيما قبل التاريخ، كما أن تلك المواقع قد احتلت مكانة مرموقة ومشهورة في التجارة وفي النواحي الاجتماعية والأمنية، وفي الحروب المشهورة بين الأمم التي تعاقبت على تلك المواقع حلاً وترحالاً. وكانت مقراً للحكام والحكومات في تلك المناطق.
وكان لتلك المواقع شهرة ودور مهم لوقوعها في طريق التجارة القديم. كما زادت أهميتها في العصور الإسلامية حيث صار بعضها من أهم المحطات القديمة مثل التي تقع على طريق الحاج البصري والكوفي إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة مثل (درب زبيدة) المشهور بمنازله. ومن تلك المواقع التي اطلعت عليها (قصر القشلة) في مدينة حائل.
في البدء: ماذا تعني كلمة (القشلة) هي كلمة تركية الأصل تنطق (قَشْلَة) و(قَشْلا) من كلمة (قَشّ) والجمع (قَشْلات) وتعني بالتركية (الشتاء) أي المعسكر الشتوي. كما تعني الكلمة عندهم (المصحّة) وسُمي القصر بذلك لأنه معدّ لإقامة أفراد الجيش في فصل الصيف.
يقع قصر القشلة في وسط مدينة حائل يحيط به أربعة شوارع الجنوبي منها هو الشارع الرئيس والبقية شوارع فرعية. وقد أمر الملك عبد العزيز - رحمه الله - ببناء القصر عام 1360هـ -1940م ليكون ثكنة عسكرية من أجل تدريب الجنود والعسكر المكلفين بالدفاع عن مدينة حائل وحفظ الأمن فيها والمناطق المحيطة بها.
بُني القصر بمدة ثمانية عشر شهراً ثم تلتها عدة أشهر للإضافات الأخرى مثل: المسجد ومبنى سجن القصر. حتى اكتمل البناء عام 1362هـ - 1942م. والقصر كاملاً يشغل مساحة (19.995) متراً مربعاً، طول كل من السورين الشمالي والجنوبي (142.72) متراً. وطول كل من السورين الشرقي والغربي (140.10) أمتار. وبني القصر من الطين والحجر وعلى الطراز المعماري النجدي. والقصر استخدم ثكنة عسكرية منذ بنائه حتى عام 1375هـ ثم أصبح مقراً لشرطة منطقة حائل حتى عام 1395هـ ثم انتقل إلى وكالة الآثار والمتاحف بوزارة المعارف، والآن تشرف عليه هيئة السياحة والآثار.
زرت قصر القشلة يوم: 5-2-1429هـ وأخذت جولة مطولة في القصر من الداخل والخارج وقمت بتصويره. وسوف أقوم بوصف القصر من الداخل والخارج.. حيث يتكون مبنى القصر من دورين، ويتوسطه فناء واسع جداً ومكشوف من كل جهاته الأربع، وفي الدور الأرضي عدد (83) غرفة وفي الدور العلوي (59) غرفة. بالإضافة إلى غرف الخدمات المختلفة مثل دورات المياه والمخازن والمطابخ وغيرها.
أما من الخارج فقد شاهدتُ في سور القصر ثمانية أبراج (قلاع) تُسمى (أبراج ساندة) عالية مربعة الشكل بنيت من الطين والحجر. أربعة أبراج منها على كل زاوية من زوايا القصر والأربعة الأخرى في منتصف كل سور واحدة. وترتفع الأبراج عن مستوى السور بحوالي (3) أمتار، كما يرتفع كل برج (15) متراً. يزين السور والقلاع من الأعلى شرفات متدرجة على طراز المعمار النجدي وشرفات القلاع مطليّة بالجص الأبيض. وفي كل برج يبرز ما يُسمى (الطرم) مفردها (طرمة) عدد (3) في واجهة كل برج وعدد (2) في جانبي كل برج أي أن في كل برج منها عدد (7) طرم. وفي كل سور عدد (8) منها. وهي طراز معماري مشهور في القصور الكبرى تستخدم لمشاهدة القادمين إلى القصر، وهي تكون بشكل مستطيل إلى الأعلى وبارز من الخارج. وفي كل منها فتحتان واحدة في واجهة الطرم والأخرى في الأسفل ليتمكن المدافع عن القصر من رمي من يقترب من الأسوار أو الواجهة بالبنادق أو صب الزيت المغلي الحار عليه.
كما شاهدتُ في أسفل تلك الطرم وفي واجهة كل سور فتحات مدوّرة كثيرة بعضها واسعة وبعضها ضيقة دائرية الشكل بحجم فتحة البندق وتستخدم لرمي المهاجمين المشاة للقصر قبل وصولهم إلى الأسوار أو القلاع. كما يُوجد على القلاع مزاريب جمع (مزراب) أي مثاعب من الخشب لتصريف مياه الأمطار من السطوح. في كل سور حوالي عدد (16) مزراباً.
وللقصر مدخلان كبيران أحدهما في الواجهة الجنوبية وهو المستخدم حالياً لدخول القصر والخروج منه. والآخر في الواجهة الشرقية وهو مغلق. وهما مصنوعان من الخشب الثقيل طول وعرض كل منهما حوالي (4×4) أمتار.
أما داخل القصر: فعندما دخلت مع البوابة الجنوبية المفتوحة شاهدت سيارة جيب زرقاء اللون من سيارات الجيش كُتب في لوحتها (نقل المحايدة 5) وبجانبها بيت شعَر كبير يبدو لي بأنه عُمل من قِبل هيئة السياحة والآثار لاستقبال الضيوف. ويوجد بيت شعَر آخر بجهة أخرى من القصر، ثم فناء القصر الذي تبلغ مساحته (12.992) متراً مربعاً، وهو خاص لتدريب الجنود.
ويوجد على جوانب فناء القصر عدد (4) أروقة مسقوفة عُملت أعمدتها بشكل دائري من الحجارة الدائرية وتُسمى (الخرز) مطلية بالجص وسُقفت الأروقة بالخشب. وبداخلها الغرف الكثيرة والتي كانت معدة لمكاتب القادة والضباط والإدارة ومخازن الأسلحة. ويوجد في الركن الشمالي الغربي من القصر ورشة صيانة السيارات. وبالركن الشمالي الشرقي يوجد السجن. أما غرف الدور العلوي فإنها مخصصة للنوم والحراسة والمراقبة.
وكل غرفة ومجلس في القصر تم تزيينها بالزخارف من الجص، ويوجد في أكثر الغرف مكان الوجار والكمر المعد لوقود النار يبدو بأنها تستخدم في الشتاء. وهي مزخرفة بزخارف الجص. ويوجد في بعض جوانب من فناء القصر يوجد أرصفة من الحجر والإسمنت. والبقية فُرشت بالحصر الأحمر الصغير.
كما يوجد في الأسياب والغرف أعمدة وفتحات مربعة تُسمى الواحدة (فُرْجَة) من أجل التهوية. كذلك يوجد في جدران الغرف العليا والسفلى من الداخل أمكنة في الجدران لوضع الأشياء تسمى الواحدة (روزنة) كما يوجد على يمين الداخل من البوابة الجنوبية من القصر مسجد كبير من الطين وتم تزيين أعمدته وجدرانه ومحرابه من الداخل بالجص. كذلك يوجد في فناء القصر درج يوصّل إلى سطح المسجد والقصر، ويوجد درج آخر من الطين وسقفه من الخشب يوصل إلى أسفل المسجد الذي يُسمى (خَلْوَة) ويتم الصلاة فيها وقت الشتاء. وأرضية المسجد مفروشة بالحصى الصغير الأحمر. كذلك يوجد في القصر دورات للمياه مرتفعة عن مستوى سطح أرض القصر ويتم التصريف لها في غرف خاصة تقع أسفلها ولها فتحات تهوية.
هذا ما شاهدته في قصر القشلة في مدينة حائل وصفته لكم بالتفصيل. أرجو أن أكون قد وُفّقت في ذلك. ولكم مني صادق الود والمحبة.
- الرس