- ما الذي يجري على أديم الوطن العربي الكبير، من خليجه الهادر، إلى محيطه الثائر..؟!
- الحقيقة.. أن لا حقيقة يمكن أن يُستدل بها لتفسير هذا الهيجان الذي يعصف بالمجتمعات العربية، التي كانت آمنة مستقرة، حتى أتاها ما أتاها من غضب عارم، وعدوانية مخيفة، وطوفان هائج مائج، لم يستثن في طريقه، لا طفلاً
صغيراً، ولا شيخاً كبيراً، ولا امرأة ضعيفة، ولم يحفظ كرامة لأحد من بينه.
- كنت - وما زلت - ضد نظرية المؤامرة التي نلقي عليها غسيلنا غير النظيف حيناً، ونبرر بها أخطاءنا وعيوبنا في أحيان أُخَر، لكن ما يحدث على الساحة اليوم، وكأنه بلاء مختص ببني يعرب وحدهم، أمر في غاية الغرابة، فالثورات التي تعصف بالمجتمعات العربية في معظم أقطارها، ليس لها مثيل ولا حتى عند جيران هذه الأقطار، من الذين هم أشد فقراً منهم، وأتعس حالاً منهم، وأنكب حكماً وإدارة وسياسة..!!
- هناك دول أفريقية تتحاد مع ليبيا وتونس والجزائر والمغرب وموريتانيا، مثل تشاد ومالي والسنغال على سبيل المثال، تنعم بالأمن والاستقرار مع جوع وفقر وسوء أحوال، فلا عدالة تُذكر، ولا ديمقراطية تُشكر، ولا حقوق تحفظ، وجيرانها العرب في غمّ وهمّ ليل نهار.
- وهناك دول أفريقية كذلك تحاد مصر والسودان واليمن، وهي كما نعرف في فقرها وقحطها وقلة حيلة حكوماتها؛ هادئة وساكنة، تتفرج على الفوضى والنهب والسلب في مصر واليمن باسم العدالة والحرية والثورة المباركة.
- ولو تنقلنا في المحيط الآسيوي، لوجدنا أمثلة في الجوار للبحرين والعراق وسوريا، مثل إيران وأذربيجان وتركيا، فالظلم والدكتاتورية وسحق الكرامة، تتمثل في الدولة الإيرانية الصفوية، ولكن الدائرة تدور على العرب وحدهم في أوطانهم، والجنون يحرك ملايين الجماجم العربية، التي تستمرئ قتل نفسها بنفسها..! حتى الدولة الصهيونية إسرائيل، قارة سارة بيننا، غير معنية بالطوفان الذي يعصف بجوارها العربي.
- تفترض نظرية المؤامرة، أن كتاب (روجر أوين) الذي صدر قبل عشرين سنة في لندن بعنوان: (صناعة الشرق الأوسط الحديث)، وكذلك مخطط (رالف بيترز) - ضابط الاستخبارات المتقاعد - الذي وضعه لإعادة تقسيم الشرق الأوسط في مقال نُشر في مجلة القوات المسلحة الأميركية في عدد يونيو - حزيران 2006م، وكذلك تصريحات (كونزاليزا رايس) - وزيرة الخارجية الأميركية - قبل ست سنوات حول (الفوضى الخلاقة)، بُعَيد الغزو الأميركي للعراق في عهد الرئيس جورج بوش الابن، كلها تفترض أن الشرق العربي مجرد مساحة أو منطقة بلا تاريخ ولا تراث مشترك، وتسكنها جماعات دينية وإثنية لا يربطها رابط، وليس لها ذاكرة ولا إحساس بالكرامة..! فالعربي مخلوق مادي اقتصادي تحركه دوافعه المادية فقط..! فكتاب (روجر أوين) على سبيل المثال، يخطط لإعادة هندسة منطقة الشرق الأوسط وفق نظرة دونية للعرب والمسلمين، ومخطط التقسيم الذي وضعه الضابط (رالف بيترز)، يقوم على هذا الأساس، بل يذهب إلى أن التقسيم الذي جرى بموجب اتفاقية (سايس بيكو) أوائل القرن الفارط، كان ظالماً لجماعات وشعوب مثل: الأكراد، والشيعة العرب، ومسيحيي الشرق الأوسط، والبهائيين، والإسماعيليين، والنقشبنديين، وأن الكراهية تعصف بالمنطقة، فوجب إذن إعادة تقسيمها.
- ومع أن (الفوضى الخلاقة)؛ هو مصطلح سياسي عقدي قديم جداً، ويقصد به تكوين حالة سياسية أو إنسانية مريحة، بعد مرحلة فوضى متعمّدة، إلا أن إحياءه في الخطاب السياسي الأميركي في منتصف العقد الأول من القرن الجديد، أعطى إيحاءً قوياً بأن هذا هو توجه القوة أو القوى العظمى في العالم، نحو تركيبة جديدة لمنطقة الشرق الأوسط، التي تُشكّل بؤرة التأزم في العالم منذ عقود طويلة.
- هذا كله يعيدنا إلى الدور المشبوه الذي لعبته القاعدة الإرهابية برئاسة أسامة بن لادن، وتبنيها للتطرف الديني هي وحركة طالبان في العالم الإسلامي والعربي على وجه خاص، فإذا أردنا السير وراء نظرية المؤامرة في هذه الظروف العصيبة، سوف نضع القاعدة وعملياتها الإرهابية، وكذلك طالبان وتطرفها وتخلفها، حلقة رابعة ضمن حلقات البدء والتدرج في تنفيذ المؤامرة على الشرق الأوسط، وعلى العرب والمسلمين بوجه خاص. هذا أمر واضح. فكأن القاعدة هي من بادر بتعبيد الطريق نحو تنفيذ سياسة الدول الكبرى، التي بدت وكأنها يئست من إصلاح المنطقة كما تريد، وسئمت من الوضع المتأزم على الدوام، الذي يهدد مصالحها ويهدد حليفتها إسرائيل، فنهضت طالبان والقاعدة معاً بتقديم خدمة كبرى لدعاة التغيير في الشرق الأوسط، بنشر الفوضى، والوصول إلى رسم خارطة جديدة لدول المنطقة، تنطلق من فكرة تفتيت المفتت، وتجزئة المجزأ وتقسيم المقسم، حتى تسهل عملية السيطرة على الكل، ووقف الاحتراب والصراعات التي تنشب لأسباب عدة، من أهمها الخلافات الدينية والطائفية والقبلية والحزبية.
- من الكتب التي يعتد بها المتطرفون دينياً، ويحفل بها الإرهابيون المنتمون لتنظيم القاعدة وطالبان كتاب: (إدارة التوحش)، لمن سمَّى نفسه: (أبو بكر ناجي). هذا الكتاب بكل ما فيه، ترجمة شبه حرفية لمنطوق (الفوضى الخلاقة)، ولكي نتصور العلاقة بين فكرة كتاب إدارة التوحش التي تطبقها القاعدة منذ عقدين، وفكرة (الفوضى الخلاقة)، التي تنادي بها (كونزاليزا رايس)، ها هي الأمثلة حية في أكثر من قطر عربي: (الخروج في تظاهر جماعي - استفزاز الأمن من قِبل عناصر مندسة ومن قِبل مخترقين من جهاز الأمن نفسه - سقوط الأمن في انهيار مفاجئ - شيوع الفوضى في المجتمع - هجوم جماعي من الخارجين على القانون لترويع الآمنين بشكل متزامن في كل البلاد - الانقضاض على البقية الباقية من الجهاز الأمني - الدعوة لاستمرار التظاهر، لتغييب المتظاهرين عما يجري في الواقع - الدفع برموز مقبولة عند المتظاهرين للإبقاء على جذوة التظاهر - اللعب بعقول المتظاهرين وإيهامهم بتحقيق مطالبهم - دخول القوى المستفيدة من التأزيم؛ ومن ثم إمساكها بزمام الأمور في نهاية المطاف).
- يُنسب إلى (شمعون بيريز)، رئيس دولة إسرائيل قوله: (لقد جرب العرب قيادة مصر للمنطقة مدة نصف قرن، فليجربوا قيادة إسرائيل إذن)..!
- وأخيراً .. يُنسب إلى (رالف بيترز)، صاحب مخطط التقسيم الجديد، لـ (شرخ أوسط جديد) قوله: (سيستمر جنودنا رجالاً ونساءً، في الحرب من أجل الأمن والسلام ضد الإرهاب، ومن أجل فرصة نشر الديمقراطية، ومن أجل حرية الوصول إلى منابع النفط، بمنطقة مقدّر لها أن تحارب نفسها)..!
- تطرف وإرهاب القاعدة وطالبان، خلقا الذريعة التي كان يبحث عنها (بيترز) لشن الحرب علينا بحجة الإرهاب، ونحن اليوم نحقق مراده ومبتغاه، فالمنطقة العربية والإسلامية تحارب نفسها بنفسها فعلاً لا قولاً، ودولة (شمعون بيريز)؛ تستعد لقيادة العرب والمنطقة.
- ربما كانت المحطة القادمة هي إيران، ومن بعدها الهند، من أجل الوصول إلى تركيع (الصين العظمى)، التي تحتل العالم كله، والغربي منه، احتلالاً ناعماً، لم يسبق له مثل في التاريخ.