لا أعلم من قائل هذه الجملة: عن الأمير الدبلوماسي.. لكنها تنطبق تماماً على هذه الشخصية موضوع حديثنا الأمير بندر بن سلطان بن عبدالعزيز (السفير السابق).. لقد قرأت فصول جذابة عن شخصية الأمير الذي يعتبر أكثر الشخصيات غموضاً ونفوذاً في الولايات المتحدة الأمريكية بين سنتي 1983 و 2005م.
كانت تلك الإضاءة ضمن كتاب جاء تحت عنوان (الأمير) ويقع في 517 صفحة من القطع المتوسط وفي طبعة فاخرة.. وهو عبارة عن فصول مروية تتناول القصة السرية للأمير الأكثر إثارة للاهتمام في العالم.. وقد قدم للكتاب نيلسون مانديلا وما رغريت تاتشر.
يقول نيلسون مانديلا: (أنعم بصداقة دائمة وقوية مع الأمير بندر وهو شخصية تتحلى بدفء وذكاء وإخلاص غير عادي.. فقد قدم إلى بندر دعمه الراسخ على مر السنين بعدة طرائق وكان دائماً مخلصاً وكريماً بقدر ما أتوقع من رجل دولة.. بهذه المكانة العظيمة).
ويرى أن وليام سمبسون لقى تحدياً هائلاً في كتابة السيرة الذاتية للأمير بندر إذ إنه تمكن من الإحاطة بجوهر هذا الرجل - اللغز - لأن التعامل مع المعطيات والتحولات في هذه الحياة المدهشة إنجاز بحد ذاته وكذلك تحديد العوامل التي أنشأت هذا الرجل البارع الحضور المؤثر الذي أفخر أن أعرفه كصديق وثيق).
لقد كان للأمير بندر تأثير مدهش في أثناء العقدين الماضيين كصانع سلام دولي متجول يعمل في الخلفية بشكل رئيس ولا يسعى البتة وراء التقدير العام (هكذا يصفونه).
ونيلسون مانديلا من شدة إعجابه يقول: إن بندر رجل متميز ذو شخصية ساحرة وفصيحة ومع ذلك متواضعة وغالباً ما وجه نمط الأحداث العالمية. وتقول عنه البارونة مارغريت تاتشر: إنه يصنع الأحداث بدلاً من أن ينتظر حدوثها ولقد لعب دوراً مركزياً في العلاقات بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية بالإضافة إلى المملكة المتحدة، كما مكنته قدرته غير العادية على الفوز باحترام وثقة القادة العالميين من خدمة حكومته في العديد من المهمات الأخرى التي لا تقل حساسية في الشرق الأوسط والصين وروسيا ودوره الحاسم في بناء الائتلاف لمقاومة احتلال صدام حسين للكويت عام 90م.
مؤلف الكتاب ارتبط ارتباطاً وثيقاً بالأمير بندر وثقة عالية منحه إياها ليبحر داخل هذه الشخصية حيث أتيح له حرية غير مقيدة للبحث عن أدق تفاصيل حياته ووصوله غير المقيد لعائلته وأصدقائه.. فهذه الشخصية مدهشة تنجذب حولها في هذه الرواية الشيقة والممتعة. يتضح من خلال هذا الكتاب أن الأعوام الثلاثة والعشرين التي تلت تعيين الأمير بندر سفيراً في الولايات المتحدة الأمريكية يمكن القول إنه أصبح الجسر الأساسي بين الشرق الأوسط وواشنطن ولرؤسائها الخمسة في هذه الفترة.. فقد كان مرجعاً أساسياً لهم في الأمور المتعلقة بالمملكة العربية السعودية، وما لبث أن أصبح ذات تأثير لا يقبل الجدل.. كما كان محط اهتمام واشنطن بوصفه شخصية دبلوماسية مهيمنة ومتجذرة عميقاً داخل صنع القرار في واشنطن.
وفي هذا الكتاب أن الأمير بندر لم ينحصر دوره في علاقته بواشنطن فحسب بل كلف بالعديد من المهام ومن أهمهما مشروع اليمامة الضخم الذي أثار جدلاً كثيراً حينها.. كذلك علاقته بقادة الصين.. كما أن اتساع دبلوماسيته يثير الذهول.. عندما كان يتفاوض على وقف إطلاق النار في لبنان وإنهاء الحرب الإيرانية العراقية والانسحاب السوفياتي من أفغانستان، ومتابعة إجراءات حرب الخليج وحل مسألة الطائرة الأمريكية المتفجرة فوق لوكربي.. فالرجل كما يلخص الكتاب يشكل لغزاً في جوهره.
الكتاب قُسّم على أربعة عشر فصلاً يتناول سيرة ذاتية عن الأمير شاملة عنه منذ طفولته والمراحل التي مرت بحياته منذ أن كان طياراً حربياً وتجاربه وعلاقاته وأصدقاؤه وهي حياة عامرة بالكفاح والنضوج المبكر مما جعله واحداً من الشخصيات العربية المرموقة التي أصبح لها صيت عالمي.. كما يحمل الكتاب الكثير من الصور النادرة له.. وهو جدير بالقراءة لأن فيه الكثير المدهش المثير مما يتفرد به إنسان هذه الأرض الطيبة.
بقي كلمة أخيرة كنت أتمنى لو أن المؤلف اختار اسماً للكتاب غير (الأمير) فكلنا نعرف أن هذا الاسم -الأمير- يحمله كتاب ميكافللي للدبلوماسي النمساوي صاحب مقولة الغاية تبرر الوسيلة..!!