تناقلت وكالات الأنباء تصريحاً ليوسف الأحمد، الأكاديمي السعودي المبعد عن ممارسة التدريس في جامعة الإمام، حول لقاء المذكور بسمو الأمير فيصل بن عبد الله بن محمد وزير التربية والتعليم، ومطالبته في حسابه بـ(الفيسبوك) على الإنترنت بمحاكمته، بحجة أنه يختلف معه في سياساته التعليمية (كذا!).
هذا الرجل - بصراحة - يبحث عن الإثارة، وموبوء بحب الشهرة، ويتلمس ما يُثير الجدل، وما يجعل اسمه حاضراً؛ ولا يهمه بعد ذلك إن كان حضوره محترماً، أم مثيراً للتهكم والضحك والسخرية؛ مثل دعوته التي تندر عليها حتى الأطفال لهدم الحرم وإعادة بنائه على أساس عزل النساء عن الرجال، تحقيقاً (لفوبيا) الاختلاط التي يعاني منها، هو ومجموعة معه ممن يقودهم إلى كبار القوم بحجة أنه يمارس (الاحتساب).
أما هدفه من الاحتساب فهو بالمختصر المفيد (إغلاق) البلاد، ومنع أي نوع من أنواع التواصل مع الغرب والشرق معاً، تحت عنوان فحواه (لا للتغريب)، أما التغريب الذي يدعي أنه يحتسب عليه، و(يناضل) لدفعه، فهو منع البعثات للخارج، وإعاقة التنمية البشرية في البلاد، وإيقاف التواصل مع الغرب حضارياً، ومنع اختلاط الرجل بالمرأة، ولا يهم بعد هذا المنع مدى حاجة المرأة للعمل طلباً للرزق؛ فالاقتصاد، والتنمية البشرية، ومشاركة المرأة كعنصر فاعل في الاقتصاد، والتفاعل مع عالم اليوم، أمور لا تعنيه، إما لأن فهمه القاصر لا يصلها، أو لأنه (ربما) يفهمها، لكنه يريد أن يشكل سلطة (موازية) لسلطة الدولة؛ وهذا بصراحة ما أرجحه. فهو في احتسابه ضد كل رموز الدولة ورجالاتها، مستخدماً تقنية من تقنيات الغرب الذي يقول إنه يحاربه، ليتسلل من خلال الإنترنت إلى تنفيذ مخططه (الاحتسابي) الذي يدعيه، في تناقض مثير للسخرية.
أحصوا معي: انتقد سمو الأمير سلمان بن عبد العزيز أمير منطقة الرياض - حفظه الله ورعاه - لأنه وقف بحزم وقوة أمام مشاغبات جماعته من المحتسبين في معرض الكتاب الأخير، ولا يهم داعية الانغلاق هذا كون الأمير سلمان تحديداً هو واحد من أهم دعائم الاحتساب في البلاد، يدافع عن هيئة الأمر بالمعروف في كل مناسبة؛ فضلاً عن كونه إحدى ركائز الدولة؛ غير أن كل ذلك لا علاقة له بيوسف الأحمد، ولا بأجنداته، لأن وراء أكمته ما وراءها. كما انتقد وبتجاوز وتطرف سمو الأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكة المكرمة، وقال فيه ما لا يمكن أن يقوله رجلٌ عاقل في أمير منطقة مثل الأمير خالد، تاريخه الممتد منذ رعاية الشباب مروراً بإمارة منطقة عسير، وانتهاء بإمارة منطقة مكة المكرمة يشهد له ولحكمته فضلاً عن وطنيته، المئات ممن عملوا تحت إدارته. ثم انتقد سمو الأمير محمد بن نايف مساعد وزير الداخلية، والأمير محمد هو من وقف بكل قوة وعزم وحزم ضد التكفيريين من أذناب القاعدة، وهو الذي يعمل لأكثر من ثمان عشرة ساعة يومياً - كما هو معرف - ليستتب الأمن، ونرفل في دولة الرفاه والأمان، وفي سبيل ذلك كاد سموه أن يذهب ضحية في سبيل الذود عن وطنه؛ غير أن ذلك (للمرة الألف) لا يعني الأحمد، فليس للزاوية التي ينظر فيها للأحداث أي علاقة بهذه الإنجازات البتة. كما انتقد معالي رئيس الديوان الملكي الأستاد خالد التويجري، واتهمه بتهم لا يتهمه بها رجل يخاف الله أولاً، وثانياً يحسب كلماته بتؤدة ورصانة وعقل كما هم حملة العلم، وكل اتهاماته فجور في الخصومة فقد اتهمه بسذاجة بأمور لا تدخل تحت دائرة اختصاصه المالي والإداري، فأصبح الديوان الملكي بالفهم الأحمدي لهيكلية الدولة هو (الجهة المسؤولة) عن جامعة الأميرة نورة مثلاً!؛ هذا رغم أن الأستاذ خالد أعاد تنظيم الديوان الملكي، وهو قمة هرم الدولة، وطوّره إدارياً، حتى أصبح بالفعل، وكما يشهد الجميع، مثالاً يحتذى للجهة الحكومية المتطورة والمنضبطة في أداء نشاطاتها، فضلاً عن نزاهته وتواضعه المعروفين؛ غير أن الأحمد ربما يعتبر مثل هذا التطوير ضرباً من ضروب (التغريب) المذموم والعياذ بالله، الذي يجب - حسب معايير احتسابه - القضاء عليه، وأن نتخذ من (دولة طالبان الإسلامية) لنا مثالاً يُحتذى. وانتقد من ضمن من انتقد الدكتور عبد العزيز خوجة، رغم أن هذا الرجل بالذات من أنبل الناس، وأكثرهم تواصلاً مع من يختلفون معه، فلم يوقفطوال عهده في وزارة الثقافة والإعلام كاتب واحد، غير أن هذه الخصلة بالذات ربما هي من أهم (مآخذ) الأحمد عليه، فهو داعية لتكميم الأفواه، إلا أفواه من يدورون في فلكه، فهو وأقرانه هم (فقط) من يجب أن تكون لهم (الوصاية) على المجتمع. كما أن احتسابه المزعوم وصل إلى وزير العمل الجديد المهندس عادل فقيه، فما أن تربع معاليه على قمة الوزارة حتى ذهب إليه يُملي عليه شروطه، فلم ينتظر حتى يرى أعماله (ليحاسبه) عليها.
كما قال عن مهرجان الجنادرية الأخير: (مهرجان الجنادرية سيئ جداً جداً، انحراف فكري وسلوكي وهدر للمال وغناء ورقص وتزاحم شديد بين الرجال والنساء وموسيقى صاخبة وما نتج عن ذلك من كثرة التحرش بالنساء؛ وهذا كله مخالف للشرع، واستهتار بالنظام، وإهانة للشعب، والواجب الاحتساب عليه). وقد صرح المتحدث الرسمي بالإنابة لفرع هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمنطقة الرياض الأستاذ خالد بن صالح المحمود: (بأن فرق هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تعمل بمهرجان الجنادرية منذ بدء أيامه وتواصل عملها بكفاءة، وقد تم تعزيز الفرق العاملة بأعضاء إضافيين للقيام بجميع واجباتهم)؛ وهذا يعني أن الجهة المسؤولة عن الاحتساب، والمخولة رسمياً من ولي الأمر صاحب البيعة، (موجودة)؛ فما الداعي للاحتساب (الموازي) يا الأحمد!!.. ومعروف أن هذا المهرجان، كما صرح بذلك سمو الأمير متعب بن عبد الله، يتم برعاية الملك عبد الله - حفظه الله ورعاه - وتحت إشرافه المباشر.
ماذا يريد هذا الرجل الذي لم يسلم من احتسابه وتشهيره، بل وقلة أدبه، أحد من كبار رجال الدولة؟
وهل دولة اليوم تحتمل أن تتحول إلى دولة يمارس فيها هو وأمثاله دور (الوصاية) على الاقتصاد، وعلى التنمية، وعلى التربية والتعليم، وعلى الرياضة عندما حشر أنفه في قضية رياضية بحجة (منع التغريب)؛ بل وعلى العبادات في بيت الله الحرام؟
ثم لماذا (سكت) من هم أكبر منه قدراً ومكانةً وعلماً عن ممارساته، ولم ينبسوا ببنت شفة تجاه هذه المشاغبات التي لا يمكن أن نقبلها ونحن نتطلع إلى دولة (المؤسسات) التي تحكمها الأنظمة والقوانين، لا اجتهادات رجل وصل به التطرف والتشدد إلى أن يدعو إلى هدم الحرم وإعادة بنائه ليواكب فصل الرجال عن النساء، تلك (البدعة) التي لم يعرفها بيت الله الحرام منذ أن جعله جلَّ وعلا مثابة للناس وأمنا. هل يستطيع أحد أن يجيبني؟
إلى اللقاء.