في حياة البشر وقفات إجبارية تقتضي التفكير والتأمل مثل ولادة هامة أو زواج هام أو تنصيب ملك أو رئيس أو حدث غير عادي أو مهرجان أو احتفال بيوم وطني أو وفاة شخصية هامة وغيرها. والموت هو من أصعب وأقسى اللحظات التي تجبر من له علاقة به أن يتوقف ليتذكر و يتأمل.
والحديث اليوم عن فقد عالمة وإنسانة سعودية خدمت وأثرت في مجالها علمياً وإنسانياً حتى أصبحت حديث المجتمع المكي بل والسعودي: إنها الأستاذة الدكتورة ليلى بنت عبدالله المزروع- رحمها الله رحمة واسعة- والتي فاضت روحها إلى بارئها في يوم الثلاثاء الخامس عشر من شهر جمادى الأولى لعام ألف وأربعمائة واثنين وثلاثين من الهجرة النبوية بعد معاناة مع المرض التي صبرت عليه واحتسبت بقضاء الله وقدره.
لقد تمثلت اختنا الفاضلة- رحمها الله- بصفات لا تتوفر إلا في القلة من البشر ومنها الاحتساب في أحلك اللحظات والصبر على الملمات والعطاء بلا حدود.
لقد عملت الفاضلة كأستاذة في قسم علم النفس لما يزيد على ثلاثين عاماً حيث علمت وربت المئات من الطالبات على مستوى البكالوريوس والدكتوراه وأشرفت وناقشت العشرات من الرسائل على الطالبات في داخل الجامعة وخارجها وفي كل المساهمات تدريساً وبحثاً وإشرافا، طغت على شخصية الفاضلة سمات محبة العلم والعلماء وتوثيق العلاقة بين العالم والمتعلم بشكل تتلاشى فيه هذه الفجوة لتصبح علاقة متوازنة وكأنها مستوى واحد فلا يظهر شخص العالم من المتعلم مما يزيد من روح التقبل من لدن طرف الطالب - المتعلم والثقة فيمن يقوم بالدور الأساسي في العملية التعليمية.
أما الجانب الآخر في شخصية الراحلة والتي هي في نظري سمة عالمية فهي سمة الأستاذة المربية التي تترجم فيها معنى التربية الحقيقية فهي أولاً ثمرة من أسرة تربوية مثالية ومعروفة، وثانياً مارست أساليب المعاملة التربوية في أفضل صورها مع طالباتها اللاتي درسن عليها أو أشرفت عليهن أو أولئك الذين أشرفت على إدارتهن حيث كانت وكيلة لعمادة شئون الطلاب للإسكان ثم وكيلة لرئيس قسم علم النفس ورياض الأطفال بالجامعة، تعلقن بها كأخت كبرى وكأم رؤوم لهن في سرائهن وضرائهن فكثيراً ما تتدخل لدى الزميلات من الإداريات أو العميدات أو العمداء أو المسئولين داخل وخارج الجامعة لنجدة طالبة أو محتاجة أو خدمتها أو حل مشكلتها أو مساعدتها في أمور تخرج عن أمور الجامعة ولا يهدأ لها بال إلا بعد أن تتوصل إلى تلبية حاجة المحتاج أو إدخال الفرحة والسعادة على من يحتاج ويستحق.
لقد أصبحت رحمها الله رحمة واسعة أحد الأسماء اللاتي يعود إليهم الكثير من الطالبات وأولياء الأمور لطلب الشفعة لهم أو قضاء الحاجة في جامعة أم القرى والجامعات السعودية الأخرى.
أما مساهماتها الخيرية في الجمعيات أو على مستوى من يعلم عنها فيصعب الحديث عنها في هذه المناسبة وما خفي عنها من مساهمات فهو بلا شك كبير وكثير لعل الله يتيح الفرصة للحديث عنها لاحقاً.
ولو أشرنا إلى أعمالها البحثية فحدث ولا حرج بدءا من رسالتها للدكتوراه عن الإبداع والتي حصلت عليها من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية إلى أبحاثها المتوالية عن أساليب المعاملة الوالدية والوحدة النفسية وغيرها من المواضيع ذات الصلة بخدمة المجتمع والبحث العلمي أو بعملها الإداري الذي مارسته وكيلة لرئيس قسم علم النفس لعدة سنوات فقد أكسبتها هيبة وأهمية يذكرها من عرفها وعرف جامعة أم القرى وسعيها المتواصل لرقي زميلاتها وأخواتها وفتح مجالات النمو وتحقيق الطموح فقد كانت مضرب مثل في ذلك حين تحقق بمساهمتها الفاعلة في فتح برنامج الدكتوراه في علم النفس لزميلاتها والطالبات اللواتي يسعين لتحقيق أهدافهن وطموحاتهن.
ومن الوقفات التي تستحق الذكر للأخت الفاضلة الدكتورة ليلى- رحمها الله- سعيها بجهودها الذاتية لإنشاء مكتبة ومعمل لعلم النفس قلما يوجد نظير له في الجامعات السعودية لعل إدارة جامعة أم القرى المميزة تتبنى فكرة تخليد ذكراها بتسمية هذين الانجازين أو إحدى القاعات العلمية باسمها وهو أقل ما تستحقه منا فضلا عن تخصيص جائزة تخصص لها. ومهما ذكرت أو أشرت فلن أوفي الأخت الفاضلة حقها ولكن أقول رحم الله الأستاذة الدكتورة الإنسانة ليلى بنت عبدالله المزروع رحمة واسعة وأسكنها فسيح جناته وعوضنا الصبر والسلوان.
د. زايد بن عجير الحارثيعميد كلية التربية بجامعة أم القرى