طوى الجزيرة حتى جاءني خبر
فزعت فيه بآمالي إلى الكذب
حتى إذا لم يدع لي صدفه أملاً
شرقت بالدمع حتى كاد يشرق بي
والخبر الذي شرقت به جاءني وأنا في بيروت في مهمة علمية وكنت منهمكة في العمل بين زيارات للجامعات ومقابلات للمسؤولين، وكنت في تلك الليلة مدعوة على العشاء عند زميلة كريمة أستاذة في الجامعة اللبنانية، وبينما كنت أستعد للخروج هاتفتني ابنتي لينا والعبرات تخنقها قائلة (أحسن الله عزاءك بالأميرة صيتة).
ولم أسأل ولم أطل المكالمة، فأنا على علم بمرض الأميرة، ذلك المرض الذي لازمها منذ سنتين، ولكن رغم ذلك فقد كانت الصدمة موجعة واعتذرت للزميلات فلم تكن حالتي النفسية تسمح بمقابلة أحد وألغيت الدعوة وتحولت إلى مجلس عزاء في بيتي، وكان العجب يكسو الوجوه، فما علاقتي أنا بالأميرة؟ ولماذا هذا الحزن؟ وأدركت أنني بحاجة إلى شرح هذا اللبس والرد على علامات الاستفهام التي وجدتها أمامي.
وارتسمت صورة الأميرة صيتة بهيبتها الممزوجة بالطيبة وابتسامتها التي تحمل مئات المعاني أمامي واسترجعت أكثر من عشرين سنة عرفت فيها هذه الإنسانة الرائعة المعجونة بماء الوفاء والإخلاص، لقد كانت مثالاً للمرأة المسلمة التي تجمع بين الورع ومخافة الله في الظاهر والباطن وبين الخلق الإسلامي الرفيع في حلاوة المعشر ولين الجانب والتواضع والوفاء، لقد أحببتها لذاتها فلم يكن يدفعني في متابعة التواصل معها غرض ذاتي، وأقولها صادقة إنني لم ألجأ إليها في يوم من الأيام لتحقيق غرض خاص بي فأنا ولله الحمد في يسر أشكر الله عليه، ولكنني ما أن الجأ إليها في حاجة معسر أو حل مشكلة لإنسانة مظلومة لا تملك إلا الدعاء أجد عندها الصدر الحنون والقلب الكبير الذي لا يبخل بمال أو جهد أو مساندة أيًا كانت.
وحين كتبت عن الأميرة نورة بنت عبد الرحمن لجأت إليها ففتحت لي خزائن ذاكرتها ووجهتني إلى من أستطيع الاستفادة منه، واجتهدت في إحضار سائق الأميرة نورة وكان رجلاً طاعنًا في السن، فجلست معه حاثة إياه على استرجاع ذكرياته القديمة وحين تحول الكتاب إلى مشروع خيري كانت السباقة في الإسهام المادي والمعنوي.
لقد رحلت عن هذا العالم بجسدها، ولكن ذكرها سيبقى مدويًا على السنة محبيها الذين يلهجون بالدعاء لها بالمغفرة والرضوان وأن يكون مقرها جنان الخلد مع المتقين الأبرار واقتراح صغير أقدمه لأمانة مدينة الرياض أن يغير شارع بيتها من شارع الأدب إلى شارع صيتة بنت عبد العزيز ليبقى اسمها منارًا مشعًا للأجيال وذكرًا مرددًا على الأفواه.
قفلة:
كأني بالشاعر أبي تمام يتمثل صورة صيته بنت عبد العزيز عندما قال:
ولو لم يكن في كفه غير روحه
لجاد بها فليتق الله سائله
أ. د. نورة الشملان كلية الآداب - جامعة الملك سعود