Thursday  28/04/2011/2011 Issue 14091

الخميس 24 جمادى الأول 1432  العدد  14091

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

متابعة

      

((مشاركة في محور عن التديات الثقافية والإعلامية ألقيت في الجنادرية الأحد 17-4-2011م))

في ندوة ضخمة شجاعة كهذه.. تبحث في الرؤية الإستراتيجية المستقبلية للمملكة والتحديات التي تواجهها في ذلك السبيل.. وقد كنا نطالب بما هو دونها، يستدعينا التاريخ بداية لأن نقف وقفة تأملية من بعض أحداثه المفصلية والمحورية.. التي حملت المملكة في الطور الثاني للدولة السعودية الثالثة لأن تتبوأ هذه «المكانة» الخاصة في العالم، وأن يكون لها هذا «الدور» الذي يتناسب مع مكانتها.. والذي تبحث هذه الندوة من خلال محاورها إستراتيجيته وتحدياته.

فـ «سلطنة» نجد.. التي بدأت باستعادة الملك عبدالعزيز لعاصمتها «الرياض» في مطلع القرن العشرين (1902م)، مع توسعاتها بضم القصيم عام 1904م، فـ(الإحساء) عام 1913م.. اتفاقاً، فـ «حائل» حصاراً عام 1923م.. انتهى طورها الأول مع إطلالة عام 1924م بسقوط الشريف الحسين بن علي.. في مكة، فابنه الملك علي في المدينة وجدة عام 1925م.. وقيام (المملكة الحجازية النجدية وملحقاتها).. بفكر ولغة وطروحات كان لابد وأن تكون مغايرة لما سبق، ليتوقف معها بصيرورة الأشياء خطاب الصحراء الثقافي والإعلامي الديني السائد.. والمقبول وربما المرحب به طوال القرنين الثامن والتاسع عشر في مهاد الصحراء ونجودها، فقد أصبح عبدالعزيز بعد تنصيبه ملكاً على الحجاز في الثامن من يناير عام 1926م.. (ملكاً) تحت الأضواء، يدير شؤون المقدسات الإسلامية في مكة والمدينة، ويخاطب العالم من أقصاه إلى أقصاه.. من موقع جديد (ملك الحجاز وسلطان نجد وملحقاتها).. أثار إعجاب وتقدير قوى عالم ما بعد الحرب العالمية الأولى، سرعان ما قوي محلياً بانتصاره في معركة (السبلة) عام (1929م).. فتغلبه على ابن رفادة والأحرار الحجازيين عام (1930م).. ليكتمل نفوذه ومجده مع يوم إعلان توحيد المملكة في سبتمبر من عام 1932م تحت مسمى: المملكة العربية السعودية بعاصمتها (مكة المكرمة)، وملكها وسلطانها (الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود)، ثم لتقوى إمكاناته المحلية: اقتصادياً ومالياً بعد ثمانية أشهر بتوقيع وزيره الأول عبدالله السليمان على اتفاقية البحث عن النفط الأولى في مايو من عام 1933م بقصر خزام في مدينة جدة، ثم ليقفز وتقفز معه (المملكة) كونياً قفزتها الثانية في سبتمبر من عام 1938م باكتشاف النفط في بئر الدمام الأولى، فتدفقه قبل الحرب العالمية الثانية.. وبعدها، بعائداته المليونية التي لم تكن تعرفها جزيرة العرب من قبل، وليصبح الملك عبدالعزيز والمملكة قطبين كونيين على مسرح الأحداث الدولي: «روحياً».. بإدراتهما وإشرافهما ورعايتهما لمقدسات مليار ونصف مليار مسلم ينتشرون فوق الكرة الأرضية، و»مادياً».. بامتلاكهما لثاني أو ثالث أكبر مخزون نفطي على مستوى العالم.

لقد أدرك الملك عبدالعزيز - آنذاك - بذكائه السياسي، وخبرته وخبرات مستشاريه من حوله، وبعد البيعة الحاسمة له بباب الصفا في المسجد الحرام.. بأن (المكان) غير المكان.. و(المكانة) التي بلغها غير المكانة التي عبر بها، وأن خطاباً ثقافياً جديداً.. يجب أن يتشكل ليتوجه به إلى العالم الذي كان يرقبه: مُستَلهَماً من واقع الممالك والأمم من حوله.. ومُستشرِفاً غاياتها المعلنة نحو الحق والحرية والعدل والمساواة.. في ظل حقيقة أرض الجزيرة الأزلية بأنها.. مهبط الوحي، ومنبع رسالة الإسلام الخالدة، ومنطلق راياتها الأولى إلى العالم.. فكان أن دعا لانتخاب مجلس أهلي للشورى (بداية عام 1344م)، وأقام مجلساً للوكلاء، وفَصَل القضاء بـ»استقلاله» عن بقية السلطات.. باعتبار أن هذه المكونات السياسية، إنما هي المقدمة أو القاعدة الحقيقية لبناء خطاب ثقافي سياسي جديد.. وكل خطاب يستهدف الإصغاء له، والقبول به.. والتقدير له.. والالتفاف حوله.

إخواني وأخواتي:

لقد صاغت أيام التاريخ الأولى تلك.. إطار خطابنا الموضوعي الجديد بمكوناته الدينية والسياسية، وواقعه المعاش، وتطلعات مستقبله، ولعل ما قاله الملك عبدالعزيز في حينه يذكرنا بتلك الروح السائدة في رجل كان من أبرز صفاته إقباله على العصر وأدواته الحديثة - آنذاك - من سيارة وبرق وهاتف ومذياع.. عندما قال (إننا اليوم في دور التأسيس، وقد حانت ساعة العمل ولا يستقيم أمر لا يكون قائماً على أساس متين، وأن العالم ليرقب أعمالنا عن كثب، فإذا لم نضع لنا أساساً قوياً.. ضاعت أمورنا)(>)، ثم تتابعت البعوث في الثلاثينات والأربعينات إلى الجامعات العربية.. لدراسة الطب والهندسة والصيدلة والزراعة، والعلوم، والقانون والآداب ولغاتها، ثم انشغلنا عن استكمال بناء مقومات خطابنا السياسي الثقافي بسد جوع الوطن للتعليم والصحة وبناء الطرق وتحسين مصادر المياه وإدخال الكهرباء.. إلخ، لكن مع رحيل الملك المؤسس كان أول مجلس للوزراء.. قد تشكل، وكان قطار الدمام قد شق طريقه إلى الرياض، وسُمع أول صوت لإذاعتنا في داخل الوطن.. بينما بقي إعلامنا (الصحفي) على صورته الأولى بين يدي صحيفتي: «أم القرى» و»صوت الحجاز» الذي تغير مُلاَّكها فاسمها بعد الحرب العالمية الثانية.. ليصبح «البلاد السعودية»، وظل مجلس الشورى يؤدي دوره - رغم التحول من الانتخاب إلى التعيين - باندفاعته وصلاحياته النيابية التمثيلية الأولى، أما (الثقافة) بأقنيتها المعروفة من مسرح وسينما وموسيقى وتشكيل.. إلخ، فقد كان حظها عاثراً في المرحلة الأولى.. ربما لتقديم الأهم على المهم.. وربما لقلة الكفاءات الخلاقة أو ندرتها آنذاك، لكنها استردت بعض أنفاسها أوائل الخمسينات مع ولاية الملك سعود بن عبدالعزيز رحمه الله.. عندما تغنى المغنون في الحدائق والميادين العامة بالوطن وأرضه وأمجاده، وفَتحت أول جامعة حكومية في أرض الوطن أبوابها (الملك سعود)، وشهد إعلامنا أول عهود انطلاقته.. بالتوسع في منح الامتيازات لصحافة الأفراد، وما جلبه ذلك من حراك إعلامي وأدبي وفكري استفاد منه الأدب والأدباء دون شك، إلى جانب اتفاق التضامن السعودي المصري السوري.. الذي احتضنه ورعاه الملك سعود في المنطقة الشرقية.. ليسطع خطابنا الثقافي آنذاك بمكوناته وتوجهاته الجديدة، واصطفافه عربياً في خندق صد العدوان الثلاثي عن مصر، إلا أن ذلك سرعان ما تبدل تحت وطأة الأحداث وسرعتها، وتأثيرات الحرب الباردة وصراعاتها بياليمين واليسار مع خلط الحقائق بـ»الشائعات».. إلى أن اتهم خطابنا السياسي الثقافي أواخر الخمسينات بالرجعية، ليرتد موغلاً في البحث عن ظهره الإسلامي.. وحجة الدفاع عنه أمام قوى الشرك والإلحاد، حتى جاء عهد الملك خالد بسماحته.. فعهد الملك فهد بديناميته وحيويته في التشييد والإعمار.. ببناء الطرق والسدود والموانئ والمطارات، وبتفعيله لدور الابتعاث إلى الجامعات الأمريكية بصفة خاصة والأوروبية بصفة عامة.. حتى بلغ عدد المبتعثين ثلاثين ألف مبتعث لدراسة العلوم التطبيقية ومناهجها وفنونها، فأطفأ ذلك بعض بريق الاتهام لخطابنا أو لنظامنا بـ»الرجعية». وإن لم يزل تماماً، إلى أن جاءت أحداث تسعينات القرن الماضي بغزو الكويت واحتلاله عراقياً.. ليسبق الملك فهد رحمه الله مطالب النخب الإصلاحية.. بإصداره للأنظمة الثلاث: الحكم، والشورى، والمناطق. فكان ما قام به استكمالاً، وتأكيداً، وتوثيقاً لبعض مكونات خطابنا الثقافي السياسي.. التي بدأها الملك المؤسس - طيب الله ثراه - في العشرينات، وأضاف إليها الملك سعود رحمه الله.. رؤاه في الخمسينات من القرن الماضي.

إخواني وأخواتي:

عندما اعتلى خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز.. سدة القيادة في مطلع الألفية الثالثة بكل أحلامها وتطلعاتها.. وقدم رؤاه الفكرية والسياسية. العملية والواقعية، والمتقدمة على ما سبق.. من دعوة للحوار الوطني بين المذاهب الإسلامية المختلفة.. إلى دعوة للحوار بين أتباع الديانات.. إلى مشاركة المرأة والاعتراف بحقها.. إلى إصلاح النظام القضائي.. إلى الاعتراف الفعلي بحقوق الإنسان وتمكين رجالاته من تأسيس جمعية تدافع عن المنتهكة حقوقهم.. إلى إقامة أول جامعة علمية بحثية خالصة من التفرقة وعنعناتها.. إلى فتح أبواب الابتعاث على مصراعيها لكل أبناء الوطن لكبريات جامعات العالم: في إنجلترا وفرنسا وأمريكا وإيطاليا وألمانيا والنمسا وأسبانيا وأستراليا بل وفي الصين واليابان وماليزيا.. لا ليتفقهوا في المذاهب الأربعة، ولكن ليغترفوا من تلك العلوم.. التي رفعت ودفعت بأوطان أصحابها.. لتتسيد وتحتل مواقعها وفي الصف الأول من الكون على اتساعه!!

.. عندما فعل خادم الحرمين الملك عبدالله.. كل ذلك بحيطة ودراية من يعلم بأن 60% من أبناء وطنه تقل أعمارهم عن الثلاثين عاماً، وأن مخزونهم من ثقافات القرن الثامن والتاسع عشر، والعشرين لم تعد ذي بال.. إنما كان يقوم حفظه الله.. بواحدة من أجرأ وأكبر وأهم الإضافات - على ما سبق - في بناء خطابنا الثقافي السياسي والارتقاء به على مستوييه المحلي والدولي، فكان أن قفزنا بقداسة موقعنا الديني الفريد ثانية، وبهذه الاختراقات التي أحدثها الملك عبدالله.. قفزتنا «الثالثة»: من قطب بين أقطاب.. إلى قطب بين مجموعة العشرين التي تتسيد العالم، وتتقدمه حضارياً وسياسياً وثقافياً ومعاشياً، وهي تمثل القدوة.. و»المثل الأعلى لأمم الأرض وشعوبها قاطبة.

وهكذا تحدد موقعنا بل ومسؤوليتنا بهذه «العضوية» في مجموعة العشرين!

فمن من قادة وزعماء هذه التسعة عشر دولة الأخرى.. من لا يملك وطنه حرية حقيقية، وديمقراطية حقيقية، وصحافة حقيقية، وحياة سياسية حقيقية.. بمؤيديها ومعارضيها، ومن منهم من لا يملك وطنه حياة ثقافية زاخرة بالآداب والفنون وألوان الموسيقى والغناء.. من الفردي والشعبي إلى الأوبرالي، ومن منهم من لا يملك وطنه.. مجتمعاً مدنياً تغطي مؤسساته أفكار وأحلام وأماني معظم أبنائه إن لم يكن جميعهم..؟!

وإذا كنا لا نملك حقيقة.. الكثير من هذا الذي يملكه الآخرون.. فليس من العدل أن نتراجع عن «مكانة» بلغناها، أو أن نزهد في «دور» أصبح متاحاً لنا بين الكبار.. بحجة فراغ أيدينا مما نقدمه للعالم - ولا حتى لأنفسنا - لنتحول إلى (كومبارس) على خشبة المسرح، لا يملك نصاً يقوله.. بل يكتفي (المخرج) بظهوره على الخشبة باعتبار أن ذلك هو كل دوره!! فإن من الحق والواجب علينا.. أن نجسِّر تلك الفجوة أو الهوة العميقة التي تفصلنا عن العالم سياسياً وثقافياً وإعلامياً، فنسارع باستكمال ما بدأناه.. في بناء خطابنا الثقافي السياسي أو السياسي الثقافي، دون أن يأسرنا أو يسجننا الماضي أو نسجن أنفسنا فيه طواعية.. تحت عشرات الحجج، التي برع في صياغتها دهاقنة التبرير.. أو (ترزية القوانين) كما يقول أشقاؤنا المصريين، وأن ندعوا على الجانب المقابل أصحاب العقول الوطنية - وما أكثرهم بيننا - إلى صياغة أنظمة وقوانين تكفل لنا إعلاماً حراً متعدد القنوات يحترمه الناس في الخارج، ويصدقه الناس في الداخل.. فذلك هو التحدي الأكبر الذي يواجه المملكة ومجتمعنا الشاب.. أما (ديننا)، وإيماننا، وعبادة رب هذا البيت الذي أطعمنا من جوع وآمنا من خوف.. الذي يحرِّصنا خوفاً عليه أتقياء الدعاة وأذكياؤهم، فإننا نقول لهم.. بأنه باق في الأفئدة والعقول والقلوب ما بقيت الحياة وإلى قيام الساعة، ولو جيء إلى أبناء الجزيرة العربية بجيش جرار لانتزاعه من قلوبهم وعقولهم ما أفلح.. وعاد خاسراً، وأقرب شهودي على ما أقول.. هم أولئك الذين نراهم على الطرقات الطويلة النائية وفي فيافي الصحراء وقفارها وعلى شواطئها.. وهم يصطفون لأداء صلة المغرب إذا لحقهم غروب الشمس - قبل أن يبلغوا غاياتهم - دون أن يسوقهم «شرطي» أو يستحثهم «مطوع».

إخواني وأخواتي:

إذا كان «الحاضر» يحتاج إلى قدر من الثبات.. فإن «المستقبل» يحتاج إلى أكبر قدر من الشجاعة لولوج بوابته.. وذلك هو التحدي الحقيقي الأكبر الذي يواجه المملكة.

ومعذرة بعد هذا.. أن أطلت الوقوف والتأمل في تقليب بعض صفحات (الماضي) بحثاً عن «الجذور» لخطابنا الثقافي السياسي المعاصر بأكثر من انصرافي لحصر تحدياتنا الثقافية والإعلامية (المستقبلية).. فخاب أمل من كان يتوقع مني ورقة نارية تعدد التحديات الثقافية والإعلامية وتكشفها وتفندها بنداً.. بنداً.

«الشورى في المملكة العربية السعودية» - صادق عبدالله صدقة دحلان - ص 46.

 

المملكة والعالم.. رؤية إستراتيجية للمستقبل
بقلم د. عبدالله مناع

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة