لدينا قناعة شعبية بل وحتى نخبوية بـأن مـشاريـع مناطقنا الإدارية لا يمكن أن تُرسى وتعتمد وترى النور الا بعد المطالبة والإلحاح وربما الكتابة في الصحف والتحدث لوسائل الإعلام المختلفة، هذه هي الثقافة السائدة وللأسف الشديد، أكثر من هذا لدى الغالبية منا اعتقاد قوي بأن خطابات الطلب تتعزز وتعظم فرصة الظفر بالمشروع متى ما كان في اللجنة الوزارية المكلفة من قبل صاحب الصلاحية للتوزيع العادل والمنصف بين مناطق المملكة المختلفة أحد أبناء هذه المنطقة أو تلك، وقد يتخذ القرار المسئول الأول الذي يتربع على الهرم الإداري في هذا القطاع أو ذاك بناء على المصلحة العامة -طبعاً التي يراها هو- وإذا كان ثمة لجنة مشكلة من قبل، فغالباً ستوقع على المحضر بناء على توجيهات معاليه.
ومن المضحكات المبكيات ما جرى قبل سنوات مع أمير منطقة سابق، إذ إن المختص في العاصمة الرياض زار المنطقة وتباحث مع سمو الأمير -وبحضور ممثل القطاع- الاحتياجات الحقيقية لمحافظات ومدن المنطقة، وبعد المدارسة والتدقيق صدرت الموافقة من صاحب الصلاحية باعتماد مراكز عدة في عدد من مدن المنطقة والقرى الواقعة على الخطوط المحورية الهامة، وكان القرار مبنياً على الاحتياج الحقيقي دون تدخل من قبل الأهالي أو أصحاب النفوذ والجاه، وما هي إلا أيام حتى حول القرار للترسية والتنفيذ مارًّا بقنواتنا البيروقراطية المعروفة، وفجأة فقدت المعاملة ولم يفلح المتابعون لها من الحصول على نتيجة!!، وبعد جهد جهيد ومرور أشهر ست أو يزيد اتضح أن أحد أبناء المنطقة ممن يعملون في المقر الرئيس لهذه المؤسسة الحكومية احتفظ بالمعاملة في مكتبه الخاص حتى يمضي عليها وقت فتنسى تفاصيلها ثم يبعثها من جديد بعد أن يضيف المدينة التي هو منها تحديداً بدل أخرى تم إقراراها من قبل!!.
إنني أسأل هنا، مجرد سؤال -ولكنه في الصميم- ترى هل هذا هو بالفعل ما يحدث، أو على الأقل هل يمكن أن يحدث شي من هذا في مسار تنميتنا الوطنية، أو أن ما نسمعه مجرد كلام لا يستند إلى حقائق واقعية معروفة؟
بصدق أتمنى أن هذا مجرد كلام ولا نصيب له من حقيقة ما يجري في مؤسستنا الحكومية المختلفة، وعلى افتراض حدوثه.. أين التخطيط المبني على حيثيات ومعطيات وتحليل للأرقام وقراءة واعية لاتجاهات التنمية المستدامة في جميع مناطق المملكة؟.
مرة أخرى أتمنى أن يتأتى اليوم الذي يفتح المواطن فيه الخطة الخمسية فيعرف ما سيحدث في دائرته المحلية خلال الخمس سنوات القادمة إلا إذا حدث لا سمح الله ما يغير في مجريات الأمور ويعيق خطتنا المدروسة والمقرة من أصحاب الشأن، وهذا ليس بالأمر الصعب ولكنه يحتاج إلى تكاتف الجهود وبذل الوقت والمصداقية والإنصاف في تحقيق التنمية المستدامة المتوازنة في مناطق المملكة المختلفة والتي أكد عليها ووجه صراحة ببدء خطوات التصحيح من أجل تحققها على أرض الواقع خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز حفظه الله ورعاه، وفي أكثر من مناسبة.
إنني أمر على قرى وهجر صغيرة فأجد مبانٍ مدرسية ذات أدوار متعددة وعدد الطلاب منذ سنوات لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة وربما أغلقت أو أنها في طريقها للاندثار، أليس هذا هدر تنموي!!، وفي المقابل منطقة بأكملها لا يوجد فيها سوى 800 سرير ومستشفيات متهالكة، ليس هذا فحسب بل لا يوجد فيها الطاقم الطبي المتخصص في كثير من الأحيان، وحال الخطوط السعودية فيها لا يخفى على الجميع، و... والحديث طويل وذو مواجع وشجون، إن كل هذا وغيره كثير يبعث على التساؤل المر عن مصير التنمية في مناطق بلادنا المختلفة، ويفسر بجلاء الزحمة في الرياض، ويكشف للسائل غطاء الحقيقة حيال عدم قبول كثير من أعضاء هيئة التدريس في الجامعات السعودية الموجودة في العاصمة الرياض وبقية المدن الكبرى الانتقال إلى الجامعات الناشئة رغم الزيادات المالية، ومن أراد أن يعرف المزيد فليقُم بزيارة ميدانية لعدد من مدن وقرى ما شاء من مناطق الأطراف ليرى بعينيه ما يسطره الكثير من أبناء تلك المناطق عن واقعهم التنموي الهزيل عبر صحافتنا السعودية وفي المنتديات المختلفة «وليس من رأى كمن سمع»، ويبقى السؤال معلقاً إلى حين، متى تزول قناعتنا الشعبية والنخبوية بأن مشاريعنا التنموية تحتاج إلى طلب ومتابعة وإلحاح وإلا ستموت وتبقى حبيسة الورق، وهل بالفعل الحق الوحيد الذي لا يضيع في بلادي هو الحق الذي وراءه مطالب وإلى لقاء والسلام.