رغم الدور المهم الذي تلعبه الهيئة العامة للغذاء والدواء في حياتنا الاجتماعية، ورغم تحذيراتها شبه اليومية التي تبثها في الصحافة المحلّية، حول بعض السلع والمواد الغذائية، ورغم انتشارها في المنافذ الحدودية، ومحاولة كشف أي انتهاك للشروط والمواصفات القياسية للسلع والمواد، ورغم استفادتها من القطاعات المرتبطة بعملها من وزارة الصحة وغيرها، إلا أن دورها لم يزل محدودًا في التصدّي لكل محاولات الغش والتدليس في المنتجات التي تدخل إلى صيدلياتنا وأسواقنا، ليبقى دورها مجرد دور توجيهي، أو ربما تثقيفي، أما منع المنتجات الطبية والغذائية المغشوشة من الدخول إلى أسواقنا فهو دور (لا أحد)!
قبل أيام نشرت الهيئة خبرًا صحفيًا عن وجود مواد مسرطنة في حلمات أطفال رضع مستوردة من الصين، ورغم التوجيه إلى الصيدليات بعدم بيعها، إلا أنها متوفرة في بعض الصيدليات الصغيرة والبقالات التجارية، فما معنى أن تبلغ هيئة الغذاء والدواء عموم الصيدليات والمحلات بعدم بيع هذه الحلمات، أو غيرها من المنتجات التي ثبت ضررها على الإنسان؟ وإذا لم تلتزم هذه الجهات ببلاغات الهيئة وتوجيهاتها، ماذا سيحدث؟ لا شيء!
أعتقد أن قوانين العقوبات إذا لم تُسن، لا جدوى من التوجيه، والتبليغ، والتحذير، وكل مصطلحات اللغة الرقيقة والعنيفة، كما أن القوانين إذا تم سنّها، وتعريف أصحاب العلاقة بعقوبات المخالفة، إذا لم تنفذ، ولم تقر العقوبة على المخالف، أيضًا لا جدوى ولا قيمة لهذه القوانين والعقوبات، إذا لم يتم الإعلان عنها والتشهير بالمتسبب فيها، لأن ما يقوم به هو خيانة للأمانة على أرواح المواطنين وصحتهم.
ولعل ما يشفع لهيئة الغذاء والدواء، ويطمئن المواطن، ويجعله ينتظر ويتوقع منها الكثير، أنها أنشئت وتم وضع نظامها وأهدافها بالاشتراك مع وزارات الصحة، والتجارة، الشؤون البلدية والقروية، والزراعة والمياه، والمالية والاقتصاد الوطني، والصناعة والكهرباء، والخدمة المدنية، إضافة إلى هيئة المواصفات والمقاييس، بل أن يتشكل مجلس إدارتها من تسعة وزراء، على رأسهم ولي العهد والنائب الثاني، هو أمر يجعلنا ندرك أن الأمر مهم جدًا، وأن هذا الجهاز هو موضع اهتمام الحكومة، فننتظر منه الكثير الكثير، لا مجرد بث الأخبار الصحفية عما يجب الحذر منه فيما يتعلق بالصحة العامة للإنسان!
وإذا كانت الهيئة قد أنشئت مطلع العام 1424هـ، وهي التي أوضحت بأن مباشرتها لمهامها تنقسم إلى مرحلتين زمنيتين، كل مرحلة تبلغ خمس سنوات، فمعنى ذلك أنها خلال العام القادم أو الذي يليه ستكون قد بلغت من عمرها السنوات العشر، أي أنهت المرحلة التنفيذية، ولم تظهر الوسائل الإجرائية بعد، في مصادرة المنتجات التي تضر بصحة الإنسان، والتي تكشفها الهيئة مشكورة في مختبراتها المتنوعة.
صحيح أن حساسية عمل هذا الجهاز وتميزه تكمن في تكامله مع قطاعات أخرى، منها الصحة والبلديات وغيرها، أي أنه لا يملك أن يكتشف الخلل ويعاقب عليه في الوقت ذاته، ولكن كي يصبح عمله إيجابيًا، لا بد من الخطوة الأخيرة في نشاطه، وهي معاقبة من لا ينفذ التوجيهات والبلاغات في السوق، سواء لدى المحلات أو تجار الجملة أو الموزعين!