بعد قراءات مكثفة فيما بين يدي لهم من الجنسين، ومشاهدة الكثير من أعمالهم الفنية، ومشاهدة عدد من حواراتهم ومنابرهم, وجدت أن المبدعين الشباب يأخذوننا لمناطق فكرية تتماهى مع زمنهم ومعطياته، بحيث إن فكَّرنا فيها من نافذتنا ربما قلنا غير ما يقولون فيها.. فمفهومهم عن سقف الحرية في التعبير بأساليبه العديدة يختلف عن مفهومنا..
تشبه لغة تعبيرهم لغة ملبسهم, ووجباتهم؛ فهم كما يمارسون الرياضة في هواء طلق يمارسون التعبير عن مشكلاتهم وحاجاتهم وقضاياهم بمنتهى المباشرة، وبكثير من الاجتياز، والتكثيف، والتخييل، واستخدام مصطلحات يومهم، ومعاشهم، ووسائل تواصلهم.. بل أشكاله فيما يرسمون ويُشكِّلون..
تتداخل في لغتهم لغات التقنية المستحدثة في عصرهم بمفرداتها، بتعريب ألفاظها..
فمن قصائدهم ما تحتوي على مفردات الاستخدام الفضائي الإلكتروني، وأقنية مشربهم ومأكلهم.. وتصنيفات ملبسهم..
حتى في التعبير عن الحلم والحاجة عندهم..
إذ هم يحلمون بتقبلهم.. وبعدم الزج بهم في قوالب ليست معدة لهم..
ويحتاجون إلى كثير من مساحات مطلقة.. ينطلقون فيها.. يؤسسون لأسمائهم بتجاربهم..
في الفنون كلها، وفيها الشعر, والرسم، والتشكيل، والتصوير..
والرواية، والقص, وغير المصنف من النص..
على أن الكتابة على سبيل المثال، التي تأطرت من قبل في القصيدة بتقانتها المتعارف عليها، ليست غاية طموحهم؛ فهم جيل التجديد، وقوالب النثر التي يتربع على قمتها الجزلون المتقنون لبلاغة التعبير, وقيود النحو، في مفهوم وتطبيق من سبقهم, ليست تشبع نهمهم، ولا ترضي ذائقتهم، ولا تناسب ممارستهم؛ فهم جيل اللغة المحررة..
فغاياتهم من الكتابة ومختلف التعبير تمتد لقضايا عصرهم، تتنوع بمعطياته، تتشكل وفق منطلقاته..
وهم يفهمون رموزهم، ويقرؤونها بعمق ووضوح مهما اختلفت أساليبهم..
كما أنهم يوظفون الكلمات والأشكال توظيفاً يشبه تركيباتهم النفسية، وتشكيلاتهم الذهنية، ومداركهم بوعيها لهذه الكثافة المحيطة بهم من كل صوب، في شتى المجالات، والاتجاهات، والأنماط، والمعتقدات..
فمناطق إبداعهم تتسع، لا تقف بهم عند حد..
بمثل ما اتسعت الحياة بهم في جهاتها الثمانية..!
وامتدت بهم في أعماقها الدنيا والعليا.. والقصوى والقريبة..
لذا فهم يسرعون بهمة لمناطق الضوء..
يتراكضون بثقة لتنافسية العطاء..
لا يتريثون للتمحيص..
فمحك رضاهم أنهم يصنعون أنفسهم، ويقيمون جدر تجاربهم, ولا يرضون ما ينقضها.. ولا يصفحون عمن يشجها..
هم نقاد أنفسهم.. لذا هم أكثر المقبلين على عرض أعمالهم، ونشر نتاجهم..
وأول المتقدمين في مواقع الظهور، وعلى منابر الحديث..
لا شيء يردهم عن الحماس..
ولا يترددون هم عن الاقتحام..
هو هذا مفهومهم عن الحرية..
وسعيهم للذاتية.. وولعهم بالاجتياز..
هؤلاء هم صناع القادم..
وإن كانوا يجيئون ببضاعة ليست تشبه بضاعة من سبقهم..
إنهم جيل المفترق..
من سيبصمون تجاربهم في وجه الشمس..
بهم ستتحول مسيرة التعبير, بلغاتها المختلفة بين أيدي ريَشهم، وعلب ألوانهم، ومحابر أقلامهم، ولوحات مفاتيح أجهزة بصماتهم..
وستتغير بهم الكثير من المفاهيم، والحدود، وتنطلق بهم القيود، وتجنح بهم أساليب المخاطبات الفكرية، والوجدانية والبصرية، بل السمعية أيضاً.
إنهم ظاهرة صحية ما شاء لهم أن يجعلوا الحياة بهم أكثر تفاهماً، وأرحب جمالاً.
حين يمدون الجسور خضراء بينهم ومَنْ سبقهم..
فيكسبون ولا يخسرون..
فتفاءلوا بهم كثيراً..