Saturday  16/04/2011/2011 Issue 14079

السبت 12 جمادى الأول 1432  العدد  14079

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

 

الأزمة البحرينية... خيارات كافة الأطراف
د. محمد بن يحيى الفال (*)

رجوع

 

قد لا تُجافى الحقيقة بالقول إنه كان هناك خليج عربي قبل أحداث فبراير 2011 في مملكة البحرين وخليج عربي تشكل ويتشكل بعدها. هذه الأحداث كانت بمثال القشة التي قسمت ظهر البعير فيما يخص العلاقات بين دول مجلس التعاون الخليجي للدول العربية وبين الجمهورية الإسلامية الإيرانية. ويبدو أن القيادة الإيرانية تجتر في تصعيداتها لأزمة البحرين من ماضٍ ذي بعد تاريخي! ولكن ماذا

بعد انقشاع الغيوم وظهور شمس حقيقة تدخلات إيران المستهجنة في الشئون الداخلية لدول مجلس التعاون؟ ولعله من المناسب هنا تذكير ملالي إيران بأن مملكة البحرين هي دولة مستقلة كاملة السيادة على أراضيها وعضو فاعل في كافة الهيئات والمنظمات الإقليمية والدولية، وبأن أشقائها في دول مجلس التعاون الخليجي لن يسمحوا لكائن من كان بأن يمس استقلالها ووحدة أراضيها. هذه حقيقة من العجب بأنها لم تكن واضحة للقيادة الإيرانية والتي يبدو وكأنها تعيش في برج عاجي أو في كوكب ُزحل. لم تأخذ من التاريخ العبر وغزو الكويت ليس ببعيد عن الذاكرة والذي وضح للعيان وبالأفعال لا بالأقوال بأن أمن دول مجلس التعاون هو مسألة حياة أو موت غير قابلة لحلول توافقية. بيد أن الملالي وكعادتهم في اقتناص الفرص المنطلقة من نواياهم المبيتة ومكر الليل والنهار راهنوا على الأحداث التي شهدتها وتشهدها عدد من الدول العربية وحركوا أذنابهم لقلب نظام الحكم في مملكة البحرين كمرحلة أولى ثم ضمها للجمهورية الإسلامية كمرحلة لاحقة. وبدا الوضع في مملكة البحرين كمشهد من فيلم هوليودي ُمحكم السيناريو تم التنسيق بين كافة أطرافه بإحكام وشرعوا في التنفيذ. فشل الفيلم فشلاً ذريعاً وباء منفذوه بالخزي والعار بعد أن حاولوا أن يبيعوا بلادهم بثمن بخس مستغلين مشاكل مواطنيهم الاقتصادية لتنفيذ مخططات أولياء نعمتهم في طهران. شكلت أزمة البحرين ثلاثة أطراف، الجمهورية الإسلامية الإيرانية الطرف المعتدي والمسبب للأزمة، مملكة البحرين ودول مجلس التعاون الخليجي للدول العربية كطرف معتدى عليه، وبعض المواطنين البحرينيين من الشيعة كطرف تمت محاولة استغلاله لأهداف مرفوضة من كافة شعب مملكة البحرين. فما هي الخيارات المتاحة لأطراف الأزمة بعد أن تشكلت واتضحت أبعادها؟ يبدو أن هناك ثلاثة خيارات متاحة للجمهورية الإسلامية الإيرانية، أولها الاستمرار في تصعيد الأزمة والعمل من خلال إستراتيجية النفس الطويل واستغلال كل الأوراق المتاحة لإيران على الطاولة، بل بخلط هذه الأوراق بطريقة عرفت بها القيادة الإيرانية ومنها العمل على تعكير صفو موسم الحج القادم. وهنا يجب أن تعلم القيادة الإيرانية بأن المملكة العربية السعودية والتي شرفها الله بخدمة مقدسات المسلمين وترحب بهم على أراضيها وتقدم لهم كل ما يمكنهم من أداء مناسكهم بيسر وسهولة، لن تسمح مطلقاً بتعكير الأجواء الإيمانية لموسم الحج. ولتطبيق هذا عملياً يُمكن للمملكة وهو حق سيادي لها تكفله كافة القوانين والمواثيق الدولية، والتي تسامحت كثيراً في الماضي مع تجاوزات بعض الحجاج الإيرانيين الُمسيسين، منع من يثبت تورطه في نشاطات تحريضية في موسم الحج ومهما كانت جنسيته من دخول أراضيها لفترة يحددها المسئولون عن أمن موسم الحج.

الخيار الثاني للقيادة الإيرانية لحل الأزمة البحرينية هو العودة إلى صوت العقل والحكمة والذي تفرضه حقائق التاريخ والجغرافيا والمتمثل بحقيقة أن مملكة البحرين هي دولة مستقلة تدير شؤونها الداخلية بنفسها، حكومتها وشعبها هما وحدهما من يدير الأمور فيها.

المشكلة التي تواجه الخيار الثاني أن دول الخليج العربية ستجد من الصعوبة بمكان أن تثق بحسن النوايا الإيرانية، بسبب أن التجربة تلو الأخرى تبرهن على أن القيادة الإيرانية تتحدث بلغة وتفعل بلغة أخرى. ثالث خيارات الجمهورية الإسلامية الإيرانية بقاء الوضع على ما هو عليه (Status Quo)، لا تصعيد ولا حل للأزمة وترك الأمور تسير حسب المستجدات التي تطرأ على ساحة الأحداث. مشكلة هذا السيناريو أن القيادة الإيرانية بعدم إدراكها لعمق وخطورة الأزمة التي سببتها، ستعمق حتماً وبشكل جذري جو عدم الثقة بها والذي يعم الخليج العربي قيادة وشعباً.

وقبل التطرق للخيارات المتاحة أمام دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، فلا بد من الإشادة بالموقف النموذجي والرائع لقادة دول الخليج العربي والذي تشكل منذ غزو الكويت في أغسطس 1990 والمتمثل بأنهم لن يسمحوا بأن يعتدى على أراضي واستقلال أي عضو من أعضاء المجلس مهما كانت الذرائع أو أشكال هذا التدخل. ويؤكد بأنهم مهما اختلفوا ومهما حاول الغير الاستفادة من هذا الاختلاف فإنهم في المحصلة النهائية شعب ومصير واحد. خيارات دول المجلس التعاون لدول الخليج العربية هي خيارات من محورين، محور آمني ومحور دبلوماسي. الخيار الأمني أكد نجاحه بما لا يدعو للشك في مواجهة التهديدات التي تواجهها الدول الأعضاء في المجلس. واتضح جليًّا صواب رؤيا قادة دول المجلس بإنشاء قوات درع الجزيرة لمواجهة الأخطار المحتملة لهذه المنطقة البالغة الأهمية للعالم قاطبة. ومن المؤكد بأن قادة مجلس التعاون سوف يعملون من أجل تحديث هذه القوات وجعلها قوة ضاربة مجهزة بأحدث التجهيزات والمعدات العسكرية ومدها بكافة احتياجاتها من الجنود المدربين تدريبا عالي الكفاءة وجعلها جاهزة باحترافية لمواجهة كافة المخاطر المحتملة. وقادة وأبناء الخليج يكنون بالغ الامتنان والعرفان لهذه القوات التي تقف وستقف ضد نوايا كل معتد يحاول النيل من سلامة ووحدة أراضي دول مجلس التعاون. فالأزمة البحرينية أكدت على نجاح هذه القوات المباركة ولا بد من البناء على هذا النجاح وتفعيله بشكل يمكنها بالعمل بفعالية تُظْهِر لكل معتد بأن منظومة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية لديها ذراع عسكرية تجمعها ستضرب بها وبيد من حديد لكل من تسول له نفسه الاعتداء على عضو من أعضائها.

الخيار الآخر المتوفر لدول مجلس التعاون لحل الأزمة البحرينية هو خيار من شقين، شقه الأول خيار بحريني سيادي داخلي وشقه الآخر خيار جماعي لدول مجلس التعاون. فيما يخص الشق الخاص بالوضع الداخلي في البحرين وهو الأساس ومربط الجمل كما يقال، فلابد من الإشادة بدور حكومة جلالة الملك حمد بن عيسى والتي حاولت بكافة السبل حل الأزمة وبطريقة سلمية ولكن النية السيئة من بعض أطراف المعارضة جعلت جهود الحكومة تذهب أدراج الرياح. على كل حال، وبعد أن هدأت النفوس واتضحت تفاصيل المؤامرة، فلا بد من الجلوس مرة أخرى على مائدة المفاوضات لحوار طلبه الملك منذ بداية الأزمة من منطلق حرصه على كافة شعبة وذلك لحل كل القضايا العالقة بطريقة حضارية تكون فيها البحرين وفقط البحرين وبكل شعبها هي الحاضرة وهي التي تقرر نتائجه بشكل يعيد لها استقرارها. فيما يخص الجهد الجماعي لدول مجلس التعاون باتجاه الجمهورية الإسلامية الإيرانية، فأزمة البحرين شكلت واقعاً مختلفاً فيما يخص علاقات دول المجلس معها وجب معه إعادة بناء كافة العلاقات الإستراتجية معها خصوصاًً في ملفات تدخلاتها المتكررة في شئون دول الخليج الداخلية وملف الجزر الإماراتية المحتلة أبو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى، الملف النووي وخصوصاً بأن أكبر مفاعلات إيران النووية في بو شهر يقع على الضفة الأخرى من الخليج العربي ويهدد بيئياً كافة الدول الواقعة على الخليج العربي، إعادة صياغة كافة علاقات التبادل التجاري مع الجمهورية الإسلامية بشكل يوضح لها بأن عهد التعاون والتسهيلات التجارية معها قد ولى إلى غير رجعة.

وفيما يتعلق بخيارات محور شريحة المواطنين الشيعة البحرينيين الذين غرر بهم لتصعيد أزمة بلادهم فلا بد لهم أن يختاروا بين ولائهم لوطنهم أو ولائهم لمرجعيتهم الدينية في قم. فالمذهب الشيعي مذهب يحترمه غالبية أهل السنة بغض النظر عن الخلافات العقائدية. فأن يكون الإنسان شيعياً بحرينياً، أو سعودياً، أو عراقياً، أو يمنياً، أو لبنانياً، أو سورياً فهو أمر غير مستغرب ويفهمه الجميع وأما أن يكون ارتباطه الروحي وولاؤه لإيران هو أمر لا يقره لا عقل ولا دين، وقد آن الأوان لهذه الكهنوتية الدينية التي لم ينزل بها الله من سلطان، ساعة باسم الولاية وساعة أخرى بمسمى ولاية الفقيه، أن ترمى وراء ظهور جميع الإخوة الشيعة أينما وجودوا. فالمواطنة واجبات قبل أن تكون حقوق، وهما جزئيتان كتوأم سيامي لا تنفصلان عن بعضهما. التجربة وراء التجربة تبرهن برهاناً ساطعاً كالشمس في رابعة النهار بأن الحوزة في إيران تستخدم الشيعة العرب في أهداف نابعة من حقد دفين. ففي البحرين عاش الشيعة والسنة برغم الاختلافات المذهبية باحترام ومصاهرة لبعضهم البعض وبدخول أفكار الحوزة تفكك السلم الاجتماعي الذي عاش عليه أهل البحرين بكل طوائفهم. والحالة العراقية خير مثال على أن أفكار الحوزة هي وراء كل المصائب التي يشهدها العراق والذي يعرف أهله قبل غيرهم بأنهم عاشوا في كل العهود التي مرت عليهم بدون أن يعرفوا معنى للمذهبية والطائفية المقيتة. والذي صرح رئيس وزرائه السيد نوري المالكي مؤخراً وبشكل مستنكر ومستهجن بأن وجود قوات درع الجزيرة في البحرين أمر مرفوض ويسبب صراعاً مذهبياً بين الشيعة والسنة. قول مردود عليه جملةً وتفصيلاً وكان الأجدر به أن يذهب بتصريحه هذا لنقد التحريض الطائفي الذي تحرض عليه إيران في العراق والذي بلغ حد القتل وزهق الأنفس التي حرمها الله عز وجل بسبب الهوية الدينية أو نقد الإجراءات التعسفية وغير الإنسانية الموجهة للسنة في مقاطعة الأهواز القريبة منه. والحالة اليمنية ليست ببعيدة عن الذاكرة، فتدخل الحكومة الإيرانية أدى إلى قيام تمرد انفصالي عن الدولة اليمنية بقيادة الحوثيين. تمرد قتل فيه من قتل وُشرد من شرد. ألم يسأل الإخوة الشيعة العرب أنفسهم لماذا لا تطلب الدول السنية ولاء مواطني دول أخرى؟ فمثلاً المملكة العربية السعودية أدام الله عزها وحفظ حكامها وحفظها ذخراً للإسلام والمسلمين والتي شرفها المولى جلت قدرته بكونها مهد الإسلام تقدم منحًا دراسية للدراسات الإسلامية لمواطنين من كافة دول العالم في كل من الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة وجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض ولم يسمع أو يذكر عنها مطلقاً بأنها طلبت ولاء الطلبة الذين تخرجوا منها والذين يعدون بمئات الآلاف. والأزهر الشريف في جمهورية مصر العربية الشقيقة ومنذ مئات السنين خرّج أعدادًا لا تحصى من الطلبة من كافة بقاع العالم ولم تطلب مصر قط ولاء هؤلاء الطلبة لها بحجة أنها درستهم. الحقيقة التي لا يمكن إنكارها بأن العديد من بقاع العالم العربي بشرقه وغربه تدفع ثمن حماقات الحوزة والحكومة الإيرانية، فهل من متعظ!!!؟

(*) باحث إعلامي -

Alfal1@hotmail.com
 

رجوع

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفجوال الجزيرةالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة