كتبت قبل أعوام ولأكثر من مرة أن لجنة الحكام ستبقى تدور في حلقتها المفرغة ما لم تخرج إدارتها من النسق الذي تم وضعها فيه منذ أكثر من ثلاثين عاماً، وهو إدارتها من قبل حكم دولي معتزل.
وكررت هذا القول في برنامج مساء الرياضية الأسبوع قبل الماضي في الحلقة المخصصة عن التحكيم والتي حضرها رئيس اللجنة ومجموعة من خبراء التحكيم، وأكدت في كل طرح بهذا الشأن أن اللجنة بحاجة إلى كفاءة إدارية لإدارتها، ذلك أن الإدارة كعلم ومفهوم وتطبيق لها رجالها المتخصصون، ولا يمكن لحكم معتزل يقوم بأعبائها ويفي بمتطلباتها وفق الأسس والأساليب الصحيحة، وهو يجهلها علماً، ويجهلها تطبيقاً.
فلجنة الحكام يجب أن ينظر لها كأي إدارة بحاجة إلى قيادة وكفاءة إدارية تجيد التخطيط وتتقن التنظيم وتحسن المتابعة والتوجيه وتفعِّل الرقابة والمحاسبة، ويمكن لهذا القائد الإداري أن يستعين بلجنة فنية أو استشارية من خبراء التحكيم لمساعدته في الشئون الخاصة بالأمور الفنية التحكيمية فقط.
فنحن نرى أن تجارب إدارة اللجنة من قبل حكام معتزلين قد استهلكت تماماً وانتهت إلى طريق مسدود، فاللجنة تحت قيادة جميع الأسماء التي أشرفت عليها من الحكام السابقين ظلت عاجزة عن القيام بأعباء التخطيط والتطوير، وظلت تكرر أخطاءها في كل مرة، وظل مفهوم الإدارة الحديثة غائباً تماماً عن فكر وثقافة كل من يمسك بزمام رئاسة اللجنة، فالاعتقاد السائد لدى جميع رؤساء اللجنة في السابق والحاضر ينحصر في أن متطلبات العمل تبدأ وتنتهي بجدول تكليفات حكام المباريات فقط..!!
فمنذ ثلاثين عاماً ونحن مع لجنة الحكام ندور في حلقة مفرغة، نفس الممارسة تتكرر، ونفس الأخطاء تتكرر، حتى بروز الحكام يكون مرهوناً بموهبة غير عادية كسرت طوق الرتابة داخل اللجنة وأعلنت عن نفسها بشكل غير عادي مثلما حدث مع العالمي عبد الرحمن الزيد في فترة سابقة، أو خليل جلال فيما بعد، أو فهد المرداسي حالياً، فهذا الثلاثي هو نتاج عمل العشرين عاماً الماضية من لجان الحكام المتعاقبة، فهل هذا نتاج مقنع أو يرقى للطموحات ولو بالحد الأدنى...!!؟
لقد جربنا إدارة اللجنة بحكام سابقين وفشلنا، فلنجرب إدارة اللجنة بكفاءة إدارية غير تحكيمية، ولنستفد من تجارب الاتحادات القارية والدولية، فرئيس لجنة الحكام الآسيوي، ليس حكماً سابقاً، ورئيس لجنة الحكام في الاتحاد الدولي ليس حكماً سابقاً.
في الحلقة قبل الماضية من مساء الرياضية والتي خصصت لموضوع التحكيم سرد خبراء التحكيم المشاركون في الحلقة معاناتهم ومتطلباتهم، والتي تمحورت حول تأخر المكافآت، عدم وجود ملاعب تدريب، عدم وجود اهتمام طبي وعلاجي، عدم وجود مقر يجمعهم، عدم توفير متطلبات أساسية أثناء التدريبات كالمياه وغيرها، عدم استجابة لطلباتهم بإقامة معسكرات إعدادية خارجية، إلى غير ذلك. وبصراحة بعد ذلك السرد تأكد لي أن اللجنة تفتقد إلى القائد الإداري المميز والمتمكن فعلاً الذي يستطيع بقدراته وإمكاناته الإدارية أن يوفر كل المتطلبات، ولكن لجوء رؤساء اللجنة للأساليب البيروقراطية القديمة، والاحتماء خلف مخاطبات روتينية مملة لتبرير الفشل ورمي المسئولية على أطراف أخرى هو الذي جعل تحكيمنا مكانك سر.
ولن يتطور تحكيمنا إلا إذا آمنا بمبدأ أن فاقد الشيء لا يعطيه، وأن الحكام السابقين ليس لديهم القدرة ولا الكفاءة ولا الإمكانية على القيام بأعباء إدارة اللجنة وفق أسس ومفاهيم إدارية حديثة.