محمد صادق دياب، واجهة إعلامية مضيئة - حضورا ودلالة -، يقطر مهنة، وينضج صحافة. حتى أنه رأس تحرير عدة مجلات سعودية، من بينها: «اقرأ، والجديدة، ومجلة الحج والعمرة». وبلغت مصنفاته الثماني مؤلفات، هي: «الأمثال العامية، ست عشرة حكاية من الحارة، ساعة الحائط تدق مرتين، عباقرة الفن والأدب.. جنونهم وفنونهم، جدة.. التاريخ والحياة الاجتماعية، امرأة وفنجان قهوة، المفردات العامية في مدينة جدة، مقام حجاز».
حين كشف عن هويته الاجتماعية، كانت كبصمة لا يمكن أن تتشابه مع الآخرين، ومدرسة لا يمل من النهل منها الآخرون. ولذا فعندما نخسره اليوم، فإن خسارته ليست فاجعة لأسرته - فحسب -، بل لجميع من تعاملوا معه، وأحبوه. وأذكر قبل وفاته بأيام معدودة، أنه فاجأنا ذات صباح، بمقالة من ذهب، بعنوان: «أبحث عن ذلك المدعو.. أنا»، فكان مما جاء فيها: «وفي الصباح، كنت أهمُّ؛ لأنْ أمسح وجهي من المرآة. أحسست أن ثمة بعضاً من ملامحي القديمة، ينبت من جديد على سطحها، هل هو خداع المرايا؟! هل هي فرحة الكتابة؟! هل هي تباشير الشفاء؟! لست أدري، لكن ما أدريه أنني أشعر اليوم أفضل، وأن رغبتي في تجاوز المرض أكبر، وأكبر، وأن توكلي على الله أعمق، وأرحب».
كان ينتظر مصيره بعد أن وصل إلى نهاية الطريق في هدوء تام، وصمت موحش، كونه حتمي الوقوع، فيتوفى في أحد مستشفيات لندن قبل أيام، بعد معاناة من مرض السرطان؛ ليذوق طعم الموت، ويشم رائحته، ويتمثل قول أوس بن حجر:
أيتها النفس أجملي جزعا
إن الذي تحذرين قد وقعا
فالموت، هو الموت، ينزل بكل نفس راضية كانت، أو كارهة. والدنيا - كلها - قليل، والذي بقي منها أقل من القليل.
وحتى ذاكرتي، لا تذكر إلا أن الموت خير واعظ، إذ هو التجربة الوجودية الوحيدة، التي لا تُجرب. وحين نبكي موت الآخرين، فإننا نبكي أنفسنا أولاً؛ لأن الموت هو النهاية الطبيعية لكل مخلوق. وعندها، أفلا تستلزم هذه اللحظات منا، أن نكون في توبة دائمة، «{وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}.
بين حقيقة وخيال، سيعود جثمان أبي غنوة إلى مسقط رأسه «جدة»، بعد أن عانقت روحه الكبيرة ضباب لندن. وسنتبادل عبارات العزاء فيه، والدعاء له بالمغفرة، والرحمة. سائلين الله - جل في علاه - أن يرفع درجته في عليين، وأن يخلفه في عقبه بخير.