سلمان العُمري
من المقرر والمعلوم أن هذه البلاد المباركة - المملكة العربية السعودية - ليست ككل البلاد التي ينظر في قضاياها، ومدنيتها، وتقدمها، وشؤونها الداخلية والخارجية، كأي بلد في الشرق والغرب، فهي بلاد أراد الله سبحانه وتعالى أن يكون لها الريادة، فهي مهوى أفئدة المسلمين، ومثابة لقلوبهم، خرج من أرضها نور الإسلام مشرقاً وضاءً، ولذلك فبلادنا مناط آمال المسلمين، وموضع ثقتهم.
وحينما صدرت الأوامر السامية الكريمة الأخيرة، كانت سبعة منها خاصة بالجوانب الإسلامية الصرفة، بدعم وصيانة بيوت الله، وجمعيات تحفيظ القرآن الكريم، وإنشاء مجمع فقهي، والذب عن كبار العلماء، وقبل هذا أن معظم الأوامر السامية التي صدرت كانت مقدماتها وديباجتها تتضمن نصّاً قرآنيّاً أو حديثاً نبويّاً، لتؤكد أن المملكة العربية السعودية - حفظها الله - مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالإسلام عقيدة وشريعة ومنهج حياة، وهذا الأمر منذ عهد المؤسس الباني الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه.
ولقد حافظت هذه البلاد على التزامها ورسالتها عبر عقود من الزمن، وكانت حصناً حصيناً لم تتأثر بالفتن التي انتشرت في عدد من بلدان العالم العربي والإسلامي، وحينما جاءت بعض الفتن فاغرة أفواهها، ومكشرة أنيابها كالشيوعية، والاشتراكية قبل خمسة عقود، وأصبحت بعض البلدان تحت براثن هذه اللوثة الفكرية، وتحت سلطة الحكام العسكريين الثوريين، والزعماء الأنانيين، وسخروا لذلك أنصارهم وأبواقهم، وعملوا سرّاً وإعلاناً لمحاولة التغلغل إلى بلادنا، مسخرين الإذاعة والصحافة والكتابة وكافة وسائل الاتصال المتاحة، فلم يستطيعوا.
لقد كانت بلادنا تتهم بالرجعية والجمود؛ لأنها لم ترض بغير الإسلام ديناً، ولأنها لم تألف جحود النعمة، ونكران الجميل، قال تعالى: {الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ}، وقال تعالى: {لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ}.
وتحقق - ولله الحمد - الأمن والاستقرار، والإيمان العميق، والاستقامة الخلقية، والنمو والرخاء، والتقدير والاحترام المتبادل من كافة شعوب العالم، ولم تعاني من بلبلة واضطراب كحال البلدان التي رضخت للأفكار والمعتقدات الهدامة، فتأخر نموها، وذاقت شعوبها الويلات، وتأخرت في دينها ودنياها، وصار ينطبق عليها قول الشاعر:
نرقع دنيانا بتمزيق ديننا
فلا ديننا يبقى ولا ما نرقع
إن هؤلاء تركوا الكتاب والسنة، واتجهوا لنظريات «كارل ماركس»، و»لينين»، وربطوا مؤسساتهم العلمية والعملية بهذه الأفكار والمبادئ الشيوعية، وأخضعوا شعوبهم ورؤاهم السياسية والحياتية بوجه عام إلى المبادئ التي آمنوا بها، وتخلوا عن دين الله، في حين أغرق آخرون بالنظرة الرأسمالية والتغريب.
القيادة الحكيمة
لقد قيض الله سبحانه وتعالى لهذه البلاد قادة يعملون على حفظ البلاد، ليس من الأخطار المحدقة بها خارجياً فحسب، بل وحفظها من الفتن الداخلية، وذلك بفضل الله، ثم بالعمل على تطبيق شرع الله، وتربية أبناء هذه البلاد على تعاليم الإسلام في المدارس، وبناء المناهج الدراسية وفق رؤية شرعية.
ولم تقف المملكة عند حدود تطبيق شرع الله، والتزام تعاليم الدين في المملكة فحسب، بل كانت رافداً وداعماً لمسيرة الدعوة إلى الله في المشرق والمغرب، وهيأت لذلك كافة السبل من تبني الدعاة، وتعليم أبناء المسلمين، وفتح المراكز الإسلامية، وطباعة الكتب وترجماتها، وإنشاء المجمع الضخم لطباعة المصحف الشريف وترجمة معانيه، وطبع مئات الملايين منه ليتوافر للمسلمين، طباعة أنيقة سالمة من كل خلل طباعي، وقبل ذلك تهيئة الحرمين الشريفين وتوسعتهما والعناية بهما ليستقبلا ملايين الحجاج والمعتمرين والزوار.
وحينما جاءت أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وتداعياتها، وعمت الصورة المغلوطة عن الإسلام، واتهامه بالعنف والدموية والإرهاب، هبت المملكة لحماية الإسلام والمسلمين من الحملات الشرسة والمسعورة، وقامت بكل كفاءة بمواجهة هذه المحنة بدورها القيادي، وكانت لها خطوات مباركة بإقامة مؤتمرات دولية عن الإرهاب، وموقف الإسلام منه، ومؤتمرات دولية عن الحوار، وتصحيح الصورة المغلوطة عن الإسلام.
وكان خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - حفظه الله - حاضراً كما هي بلادنا، وحضورها المشرف، فعني بالقضايا الإسلامية، وكأنه يقول: لم يغب من هذه البلاد نجم إلا وطلع لها نجم آخر، فكان نعم القائد والرائد الذي رفع راية التضامن الإسلامي مجدداً، واستضافت المملكة مؤتمر القمة الإسلامي في مكة المكرمة، وهو يمضي على سيرة والده المغفور له بإذن الله الملك عبدالعزيز، الذي أسس بنيان الدولة على ما كان عليه أسلافه بالوفاء للإسلام عقيدة، وشريعة.
واستمر ذلك النهج المتميز بالعناية والاهتمام بقضايا الأمة ومشكلاتها، وتوثيق الروابط بين الشعوب وقيادات العالم الإسلامي، وكان للملك سعود - رحمه الله - دور في اتباع سنة والده، والسير على نهجه، وشهد عهد الملك فيصل - رحمه الله - انطلاقة كبيرة للتضامن الإسلامي، بل إن مفهوم التضامن الإسلامي في التاريخ المعاصر ارتبط باسم الملك فيصل، ولا يكاد يذكر التضامن الإسلامي إلا ويذكر اسم الملك فيصل، وكانت زياراته المستمرة والمتعددة لدول العالم الإسلامي في آسيا وأفريقيا خير مثال على هذا العمل.. وسار على هذا المنوال الملوك خالد، وفهد - عليهما رحمة الله -، فقد استمر دعمهم للمنظمات الإسلامية الدولية التي تتبناها المملكة، كرابطة العالم الإسلامي، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، واحتضان مقارها ودعم ميزانيتها، وكذلك البنك الإسلامي للتنمية، والندوة العالمية للشباب الإسلامي، كما تبنت المملكة حملات إغاثية وشعبية لدعم ونصرة إخوانهم المسلمين في حال النكبات والحروب.
وليس المجال مجال حصر وقيد، وإنما هي نماذج صادقة لبلد قام على نصرة الدين، فقد قامت على ما تعاهد عليه الإمامان المصلحان محمد بن سعود، ومحمد بن عبدالوهاب - رحمهما الله -، من نصرة الدين، والدعوة إلى الله، وتطبيق شرعه، وتجديد ما اندرس من معالمه، وحينما أعاد الملك عبدالعزيز - رحمه الله - تأسيس هذه البلاد سار على هذا الأساس المتين.
استمرار النهج
خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - أمد الله في عمره في طاعته ومرضاته -، وسمو ولي عهده الأمين الأمير سلطان بن عبدالعزيز، وسمو النائب الثاني، يتابعون بأنفسهم المناشط الإسلامية، وشؤون الدعوة إلى الله في مختلف مناطق العالم، ويبذلون الغالي والنفيس في سبيل دينهم دفاعاً عنه، ونشراً وإعزازاً للعلماء ورثة الأنبياء، وحملة القرآن والسنة، والدعوة إليهما، وهم يدركون جليَّاً أنه لا عزَّ للأمة الإسلامية ولا نصر لها إلا بالتمسك بالكتاب والسنة، والاعتصام بهما، ويدركون أن ما أصاب الأمة الإسلامية من وهن وضعف وفرقة وشتات وتسلط عدو، سببه الابتعاد عن الكتاب والسنة، وتلمس أسباب العزة والتقدم في مناهج البشر، وطرائقهم المختلفة والمتضاربة.
ولقد سعت المملكة إلى التآلف والتآخي بين المسلمين، والتضامن بين شعوبهم ودولهم، وهو هدف من الأهداف السامية التي تعمل عليها دائماً وأبداً.
شمولية الأوامر السامية
لقد جاءت الأوامر السامية شاملة دينيّاً ودنيوياً، فأبهجت النفوس، وأثلجت الصدور، وشملت كافة القطاعات، وقبل ذلك الاهتمام بالإنسان، وسوف أتطرق للجانب الآخر في مقالة أخرى، حيث إن حديثي منصب على الدعم الكبير الذي حظيت به المؤسسات الدينية، والمساجد، وجمعيات تحفيظ القرآن الكريم، والمكاتب الدعوية وقبل ذلك العلماء.
فلقد جاءت بشائر الخير حاملة البشرى لجمعيات تحفيظ القرآن الكريم، ودعمها، إيماناً من والدنا - حفظه الله - بما تقوم به هذه الجمعيات من جهد في العناية والرعاية بالشباب، والاهتمام بهم، ودعوتهم لحفظ كتاب الله الكريم، ونحن أحوج ما نكون فيه لهذه الفئة الغالية من عودتهم لكتاب الله الكريم، لينهلوا من معينه، وليتدبروا آياته، ويتخلقوا بأخلاقه، ويأخذوا بآدابه، ويلتزموا بأحكامه.
إن هذه الأوامر أكدت قولاً وفعلاً أن شريعة الإسلام التي أسس الملك عبدالعزيز عليها هذه الدولة المباركة، لازالت من بعده هي منهاج هذه البلاد، وسوف تستمر - إن شاء الله - متمسكة بها، ومحافظة عليها بعقيدة صافية مبنية على توحيد الله - عزوجل - خالصة من كل شائبة، منزهة عن كل بدعة.
تأكيد اللحمة والوحدة
قبل أن أختم هذا التعليق على ما جاء في الأوامر السامية الكريمة، أقف لحظات مع ما صدر به خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله - من شكره للعلماء بوجه عام، ولأعضاء هيئة كبار العلماء بوجه خاص، من وقوفهم ضد دعوات الفرقة، وإنكارهم لها، وردها على مريديها، وهو واجبهم الشرعي المنوط بهم، فالبركة في الجماعة والاجتماع، والشقاء في التنازع والاختلاف، والجماعة رحمة والفرقة عذاب، هذه حقيقة أكدتها حوادث التاريخ، وثبتت لدى ذوي الألباب من عبر الأيام، ومن رحمة الله بالعباد أن حذرهم من الفرقة والاختلاف، ودعاهم إلى جمع الشمل، وتوحيد الكلمة، والتعاون على الخير، والتمسك بكتاب الله والاعتصام بحبله المتين، ولزوم اتباع نبيه الأمين صلى الله عليه وسلم، لأن في ذلك عزهم ومنعتهم وهيبتهم، والتساند والتعاضد والتآزر والتآخي والتناصر والتعاون بين المسلمين أمر يفرضه عليهم دينهم، وتمليه مصالحهم، ففي الفرقة شماتة الأعداء، وفي التعاون والتآخي العز والنصر والسعادة.
ولننظر ذات اليمين وذات الشمال، وكيف صار حال بعض الدول من اضطرابات ومحن وقلاقل وفتن، هرج وقتل وسلب ونهب، ولا أمان ولا اطمئنان، اختلاف وتفرق، وبعدٌ عن الصراط المستقيم عياذاً بالله، وخروج عن منهج الحق والصراط والمستقيم، الذي هو دين الله الذي دعا إلى توحيد الله وطاعته وعبادته {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ}، وحينما خالفوا هذا الصراط حرموا الرحمة، ورزقوا الذلة، وسقطت الهيبة وعلو الكلمة، وحلت الأهواء، فحل التمزق والاختلاف.
نسأل الله أن يديم على بلادنا نعمة الأمن والإيمان، وأن يجنب بلادنا كل مكروه، وأن يصرف عنها كل سوء، وأن يحميها من المحن والفتن، وأن يوفق ولاة أمرنا خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، وسمو ولي عهده الأمين الأمير سلطان بن عبدالعزيز، وسمو النائب الثاني الأمير نايف بن عبدالعزيز - حفظهم الله -.
alomari 1420@yahoo.com