الهرطقة (Heretic) وهي تعني التغيير والتبديل والابتكار في الأشياء والمنظومات والنظم والمعلومات والمعتقدات، وذلك بإدخال أفكار جديدة أو إنكار أجزاء من الأسس الأصلية للأشياء بما يجعلها بعد التغيير غير متوافقة مع المعتقد أو الفكر الأصلي أو المبدأ
أو الأسس العالمية والإقليمة والمحلية المتعارف عليها والمتفق، أن الذين يتصفون بالهرطقة لا يعدون هرطقاتهم على أنها هرطقات، بل يرون أنفسهم نخبويين وإصلاحيين ومجددين وحضاريين وعمالقة وفوق الجميع أكثر من غيرهم بلا منازع أو منافس، إن إيران تملك الهرطقة الكبرى وتتدثر بها وتتزمل وفق الاتجاهات الأربعة، الهرطقة تحتضن غرور إيران وتحتل نوافذها التي تطل على طرقاتها المظلمة الحالكة، وسط سوداوية تخفي بين ضلوعها موتا موجعا وألما مزمنا وتناقضات رهيبة، هرطقات تشبه الوحل وانكسار الطرقات والخيانة وبراثين الركام، ما عادت البراءة هوية لإيران، ولا النقاء عنوانًا لمبادئها، بل أصبحت مثل شظية بارود تقسم لحم القلب والجسد وتبعثر الدماء، هو الموت عندها عرس في دم الأبرياء، إيران تحمل خطيئة التراب، ونزيف القنابل، وبعثرة الخراب، وانفجار قهقهات تشبه النحيب الحزين، أو ضحك يشبه ضحكات امرأة مومس تحاول أن تسير باتجاه الطهارة مدفونة بخطايا عظام كبار، إيران لعوب تحاول أن تغسل وتمشط شعر رأسها بصابون رديء الجودة لتعود وتستلقي في تابوت حيرتها، تقيس الأمكنة بجسد نحيل ناحف، الاتجاهات شغفها، والأزمنة مناها، والسلام لم تعثر عليه بعد في مساراتها العبثية، الشياطين الكبار أخذوها خلسة في ظلام الظلام، شيطان يقود شيطانًا، احتضنوها بقسوة ووضعوها في زريبة الاحتضار، إيران محاصرة بالمطر والليل والخوف، تنام تحت سديم عتمة خفية، طرقاتها خلت من المارة، وأبوابها بيوتها مغلقة على ساكنيها، لا أحد هناك يعرف أحد، هو القيد المخيف والسجن والسجان والقهر والهراوات العنيفة، الريح هناك باردة تهب وتنذر بعاصفة قادمة، كل شيء هناك موحش ومخيف وينبئ بالسوء والانكسار، الزفير هناك غامض والشهيق غريب، وحبات المطر لا تلامس شعاع نور أو حتى تتوهج أضوية المصابيح الزئبقية واجهات البيوت، الناس هناك لا يلوذون بمواضع الدفء والأمان، يتسامرون فيما بينهم دون أن يغادرهم الإحساس بالخشية من أن يتغير كل شيء في محض لحظة، وحدهم يسيرون، خطواتهم قصيرة في ظلام موحش غريب كأنه بلا نهاية، يساورهم إحساس بالحسد تجاه الذين يتدفئون بالمدافىء ويحتضنون أطفالهم بسرور يانع، صاروا في منتصف الطريق إلى الهدف والمبتغى، يوقفهم هذيان العودة والإياب، يتلمسون مواقع أقدامهم، يسيرون بأناة وحذر خشية التعثر والانزلاق في وحل الطريق، إنني أتابع خطوات إيران المضطربة فأشفق عليها، أراها بشحوب وقلق وهرطقة كلام وفكر وضيقة صدر وأفق فأضحك بكبير فم، لأردد بعدها سيسقط الطغيان حتما سيسقط الطغيان وسيتهاوى البهتان مثل كومة قش أصفر ناعم ورقيق، وسأسرد لأطفالي يوما حكاية البلاد التي لم يبقَ منها سوى أحلام الطفولة البائسة.