الخيانة هي سلوك بشري مقيت دينياً ودنيوياً، يتحالف فيه بعض البشر مع الشيطان، ولكن أسوأ أنوعها الخيانة للدين أو الوطن، لأن فيها نكراناً للجميل وغدراً شنيعاً مدمراً غير متوقع، وبما أنها تبنى على الأنانية المفرطة العمياء، فإنها قد تصدر من الكثيرين وهم لا يشعرون بأنهم قد وقعوا في براثنها النتنة.
والخيانة هي قرين بعض النوعيات الإنسانية -مع مزيد الأسف- رغم أن الله تعالى قد وهبهم العقل والضمير، وحينما تظهر أو تزداد في عصور الرخاء، فإن الملاحظين لها قد يجدون بعض المبررات لأصحابها، لأن الاستقرار والأمان والدعة من الممكن أن تخدع بعض المبتلين بهذا الداء، وتملي لهم بالمزيد، ولكن إذا ظهرت في أوقات الشدة والبنيان مهدد بالاهتزاز وربما الزلزال، فإن هذا إجرام ليس بعده إجرام.
وحينما ظهرت الأوامر الملكية الأخيرة تفاءل الناس في بلادنا خيراً، لأنها تسودها الحكمة والشمول وتلمّس العدالة وحماية الوطن وأهله، ولكن يبدو أن هناك من يحملون معاول هدم لا تتوقف بل ازدادت سعاراً، وكأنما تريد الخير لها فحسب، وتترك غيرها يتضوّر حرماناً، حيث رأينا - على سيبل المثال - من التجار الاستهلاكيين من يسارع إلى رفع الأسعار بجشع وأنانية، دون أن يشعروا أنهم يمتصون دماء المساكين الذين لا تزول النعم إلا بأسباب ظلمهم والسكوت على هذا الظلم. أما العقاريون وما أدراك ما العقاريين! فقد أوقدوا المزيد من لهب الأسعار للتراب الذي أصبح تبراً، بهوس محرّم لن يجنوا من ورائه إلا خراب السفينة الذين هم جزء من راكبيها ومع ذلك يصرون على جرها للخراب اليباب، حتى وصل الأمر إلى أن يصرح المسئولون عن الإسكان بأنهم تفاجؤوا بأن المساحة الإسكانية التي ستحقق الأمر الملكي بشأن توفير الوحدات السكنية لمحتاجيها، لن يتحقق منها إلا 60% من الأراضي فقط، بل وبشكل عمودي وليس أفقياً، والسر الذي لم يعد سراً هو أن بقية المساحات الشاسعة لبلادنا المترامية الأطراف إنما هي متملّكة لمن لا يشبعون ولا يقنعون حتى ولو لم يحتاجوا إليها، دون رحمة لمن لا يملكون غرفة تؤويهم هم وأطفالهم، أليس هذا غباء اجتماعي وسياسي يجعل هؤلاء وأمثالهم قد يفقدون الجمل بما حمل، ويسعى إلى إرثها المحرومون المضطرون الشاعرون بالضيم وهم أبناء لذات الوطن؟!.
أما المستشفيات الأهلية التي نالت نصيبها السخي من الأوامر الملكية، فإن الناس لحظوا كأنما أتت لها بطريقة عكسية، حيث ازداد جشعها بعد الدعم المادي فاغرة فاها لطلب المزيد من جيوب المرضى المضطرين إليها، فهل فهِِم مالكوها والقائمون عليها بأن دعم الوطن لهم يقصد به أن يسعوا إلى هدمه؟ والأدلة على ذلك عديدة يستطيع أن يلحظها أي مراجع، فحينما لاحظتْ إحدى المريضات بأن المستشفى التجاري المتورم قد ألغى خصم 15% التي كانت في السابق لإحدى الخدمات الصحية الفاحشة، مبدية استغرابها، أجابها الموظف الأجنبي المتعاقد بأن مدير المستشفى يقول: الآن أصبح الناس أكثر قدرة بعد صرف الراتبين!، فرد عليه أحد المراجعين باستنكار وألم: إذن ما فائدة الدعم الملكي لكم؟ هل لكي تنهبوا من الطرفين؟!.
والنماذج المزرية عديدة على ما يفعله سارقوا أموال المواطن وبالتالي أمن الوطن واستقراره، بل وتصيب بالإحباط الذي يعيد إلى كل قاطن في هذا الوطن الوحشة والتخوف من أن تعود رياح الفتنة الملوثة للهبوب من جديد بعد أن حول هؤلاء النعم إلى نقم دون أي إحساس بالمسئولية الفردية والجماعية، والسؤال: أليس هناك من هو قادر على إيقاف جميع المتاجرين بقوت المواطن أو صحته أو مسكنه قبل أن يخسر الجميع، لأننا نلاحظ أن الهدم بات أسرع إلى التنفيذ من البناء؟!.