كلنا قد سمع منذ الصغر بقمة جبل ايفرست وأنها أعلى قمة في العالم. هذه المعلومة لا مفر منها، أينما ذهبتَ تجدها. ورغم كثرة ورودها وتعدد القصص التي تحكي قصص المغامرين الذين يتسلقون هذا الجبل باستمرار إلا أنني لم أسأل نفسي يوماً: «لماذا يتسلق الناس هذا الجبل؟ بل لماذا يتسلقون أي جبل؟»، وهي أسئلة فرضها علي عقلي بعد أن عرفت أن تسلق الجبال محفوف بالخطر، وسنوياً يُقتل العشرات من متسلقي الجبال، ففي عام 2006م مثلاً قُتِل 15 شخصاً ممن حاولوا تسلق قمة جبل ايفرست، ونشرت المجلة الطبية البريطانية «بي إم جي» إحصائية تقول: إنه من بين كل 10 أشخاص يتسلقون ايفرست فإن واحداً منهم سيُقتل. لما قرأتُ تجارب متسلقي الجبال وجدت أسباباً متنوعة تدفعهم لهذه الهواية الخطرة، كان أبرزها الشعور بالإنجاز، فالجبل هو التحدي وقمته هي الجائزة. أيضاً هناك الشعور بالخطر، هو شعور يستمتع به بعضهم، بل لعل الكثير منا يستمتع بذلك، فلعبة الملاهي التي تسمى «قطار الموت» تُنتج شعوراً قريباً من ذلك. لكن الفرق أن الخطر في التسلق حقيقي، فعندما يتعدى الشخص منطقة الموت فإن الخطر يصل لأعلى مراحله. «منطقة الموت» هو المسمى الذي يُطلق على أي نقطة في الجبل تتعدى 8 آلاف متر، حينها يمكن أن تصل الحرارة لدرجات منخفضة جداً، و يسبب هذا لسعة الصقيع وهي حالة تُتلف الجلد والأنسجة وتلزم تدخلاً جراحياً أحياناً، ناهيك عن الأخطار الواضحة مثل السقوط والانزلاق، والرياح التي يمكن أن تقتلع المتسلق وترميه بعيداً، و هذا يحصل كثيرا، حتى إن على جبل ايفرست منطقة تسمى «وادي الألوان»، سُميت بهذا الاسم لأنها ملأى بجثث الساقطين والموتى، وقد سقطوا أو ألقتهم الرياح هناك، ولأن معاطف المتسلقين وملابسهم عادة ذات ألوان زاهية متنوعة فقد صارت تلك المنطقة تحفل بهذه الألوان، والموتى هناك يُتركون، لأن محاولة الوصول لهم (لدفنهم) مهمة شبه انتحارية.
ومن أعسر الحالات هو انخفاض مستوى الأكسجين في المرتفعات العالية جداً، فتصل نسبته في الجسم إلى الثلث ويبدأ الجسم بالتنفس بسرعة عالية لتعويض النقص، حينها يكون التنفس عملية شاقة، وهذه ليست مبالغة، ففي عام 2007م قام باحثون بقياس نِسَب الأكسجين في أجساد 200 متسلق ووجدوا ما سلف، ووجدوا أن مجرد محاولة سحب الانفاس داخل الرئة تصيب كامل الجسد بالإرهاق! ومصيبة أن يصاب شخص في قدمه وساقه، فإذا حصل هذا ولم يستطع المشي فمصيره الموت غالباً، لأن الطائرات العمودية يصعب عليها أن تنقذ الناس من مرتفعات جبلية بالغة الارتفاع.
أثناء إبحاري في هذا الموضوع لفت انتباهي الظاهرة التي ذكرتها في العنوان، ظاهرة الرجل الثالث، ولم أجد عنها الكثير من المعلومات للأسف لكن ما وقع في يديّ أثار اهتمامي، فهذه الظاهرة يطلقها المتسلقون على شعور غريب يشعر به المتسلق وهو أن يشعر أن هنالك شخصاً آخر يتسلق معه، شخص خفي. إذا كان هناك متسلق واحد فإنه يشعر أنه هناك متسلق ثان يرافقه، و إذا كان هناك متسلقان فإنهما يشعران أن هناك رجلا ثالثا حولهما وهكذا. هذه الظاهرة شهرها المتسلق البريطاني إيرنست شاكلتون، فلما نشر كتاباً عام 1919م دوّن فيه تجاربه في تسلق الجبال كتب فيه قائلاً: «عندما كنا نخوض تلك الرحلة الطويلة والموجعة والتي دامت ستا وثلاثين ساعة على الجبال الجليدية، شعرت أننا لم نكن ثلاثة أشخاص فحسب، بل أربعة». لما نُشر الكتاب شجع هذا الكثير من المتسلقين على البوح بتجاربهم، و ظهرت قصص ومذكرات وكتب تصف هذه الظاهرة، والتي عزاها بعضهم إلى أرواح ترافقهم لتحرسهم! الظاهرة ليست مقتصرة على متسلقي الجبال، فقد وجدَت إحدى الدراسات أن أكثر مجموعة شعوراً بهذه الظاهرة هم متسلقو الجبال، يأتي بعدهم الناس الذين يبحرون لوحدهم والناجون من الغرق الذين يقضون وقتاً في البحر، وأخيراً أتى مستكشفو القطبين (الشمالي والجنوبي). كلهم عادة يشعرون أن هناك شخصاً أو روحاً خفية ترافقهم.
شخصياً أعتقد أنها مسألة نفسية؛ أي أن الحالة هي وهم يصنعه العقل ليؤنس نفسه. لكن هذا مجرد توقع وليس مبنياً على علم قاطع.
ما رأي القارئ؟ ما تفسير هذه الظاهرة؟