ابتداءً ينبغي أن نعي أن الحكومات الغربية ليست جمعيات خيرية أو منظمات إنسانية تزج بفلذات أكبادها في أتون الحروب حتى وإن كانت دولاً ديمقراطية تؤمن بقيم الليبرالية وتتحدث عن الحقوق الإنسانية، وتتمتع بقدر كبير من المسئولية الأممية في حل الصراعات الإقليمية والقضايا الدولية،
لأن سياساتها العالمية وممارساتها العسكرية المرتبطة بمصالحها القومية تقوم على مبدأ إمبريالي (السيطرة) مدفوع برغبة برغماتية (نفعية) في الاستحواذ على مقدرات الدول والتحكم بحياة الشعوب، خاصةً في العالمين العربي والإسلامي. من هنا يمكن تفسير التدخل الغربي بشقيه الأمريكي والأوروبي في الشأن الليبي بدعم عربي وأممي، الذي تجسد في حظر الطيران فوق الأراضي الليبية وفق قرار مجلس الأمن رقم (1973)، تبعه قصف جوي وبحري لمواقع وتحركات قوات كتائب القذافي، التي تستهدف المدنيين لإجبارها على وقف الاعتداء عليهم، في ظل عجز عربي واضح عن المبادرة السياسية والقدرة العسكرية في إنهاء مأساة الشعب الليبي، من خلال إقناع أو إجبار الزعيم الدموي معمر القذافي على التنحي عن الحكم ووقف إراقة الدماء وتدمير البنية التحتية والمقدرات الليبية.
ومن يقرأ التاريخ الليبي ويربطه بمجريات المشهد الجاري منذ ثورة (17 فبراير 2011م)، الذي اتخذه الثوار الليبيون تاريخاً لمولد ثورتهم وعنواناً في سجل مجدها على الخريطة السياسية العربية، يمكن له أن ُيحدّد دوافع الغرب ومنافعه في حربه الجارية ضد قوات كتائب القذافي. ولعل أولها التي يمكن ملاحظتها في المشهد الليبي هي تكريس الوجود الغربي في المنطقة العربية، من خلال المشاركة في قضية عادلة كإنقاذ الشعب الليبي من دموية القذافي، خاصةً بعد حالة الاستياء العربي العارمة من الوجود الأجنبي عقب الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003م، لأن الغرب يُدرك تماماً أن أهمية وجوده في المنطقة تكمن في تحقيق هدفين إستراتيجيين في آن واحد، الأول اقتصادي يتمثل في المحافظة على (إمدادات النفط) بما في ذلك النفط الليبي الذي يعتبر في الصدارة على مستوى القارة الأفريقية، من حيث المميزات التكوينية والجغرافية لقربه إلى أوروبا، والهدف الآخر لدى الغرب سياسي بحماية (أمن إسرائيل)، خصوصاً بعد ثورتي تونس ومصر. أما الدافع الثاني الرئيس للتدخل الغربي في ليبيا فيكمن في وجوده القريب من أية حكومة وطنية قد تتشكل أو نظام سياسي يقوم بعد رحيل القذافي، وما ينطوي تحت هذا الدافع من منافع، بحيث تنفرد الحكومات الغربية بكامل العلاقات الإستراتيجية مع النظام الجديد، بما في ذلك المشاريع الاستثمارية الكبرى، وملف الهجرات الأفريقية إلى أوروبا، والتعمق في القارة الأفريقية عن طريق ليبيا، وبالذات ما يخص ملف السودان ومصر بعد سقوط نظام حسني مبارك. أما على مستوى العملية العسكرية الجارية الآن، فهناك منافع أخرى يجنيها الغرب، أبرزها أنه لن يخسر شيئاً في حربه مع قوات القذافي، فميدان الحرب داخل المنطقة العربية، والقتلى والمصابون من الشعب الليبي، والخسائر تتحملها الخزينة الليبية كما ستتحمل فاتورة الحرب أصلاً، وانعكاس ذلك إيجاباً على مصانع السلاح الغربية التي بدأت مكائنها تتحرك، وتجريب أسلحة جديدة، كما أن هذه الحرب وإن كانت غير متكافئة بين القوات الغربية وقوات القذافي إلا أنها تشكل تدريباً عسكرياً غير اعتيادي للمقاتلين الغربيين، قياساً بآخر حرب خاضتها القوات الغربية عام 2003م في العراق.
فضلاً عن نجاح الغرب في إبعاد القذافي عن السلطة وإن تمت بأيدي ثوار ليبيا إلا أنه نجاح يبرر للغرب التدخل في دول عربية أخرى تشهد غلياناً كاليمن وسوريا.