تعتبر هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أوائل المؤسسات المجتمعية التي اعتنى بها الملك عبد العزيز آل سعود -طيَّب الله ثراه- في جميع مراحل تأسيس الدولة السعودية. استشعاراً منه بأهمية رسالة الحِسْبة في تحقيق أمن البلاد والعباد. وأنَّها أداة أساسية في المنظومة المجتمعية للأمة. ومن ثمَّ فقد بادر رحمه الله مبكراً، وقبل أن تكتمل مراحل تأسيس الدولة، وبناء هياكلها الإدارية والتنظيمية، إلى تكليف الإمام الشيخ عبد العزيز بن عبد اللطيف آل الشيخ - رحمه الله - بالقيام على ولاية الحِسْبة ومباشرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأمدَّه تباعاً بالأعوان والمساعدين.
وما لبث هذا الدعم المادي والمعنوي أنِ اتخذ بعداً تنظيمياً مهماً، بإنشاء هيئة للأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر في مدينة مكة المكرمة، وذلك في عام 1344هـ. وأخرى في مدينة الرياض في عام 1345هـ، تحت إشراف « رئاسة القضاء « التي كانت من أبرز مؤسسات الدولة آنذاك.
ومع استقرار البلاد، واستكمال مرحلة التأسيس، اتسع دعم الدولة ورعايتها لهذه المؤسسة المجتمعية المهمة، عبر إنشاء المزيد من الهيئات والمراكز في مناطق المملكة المختلفة. إلى جانب العناية بجوانب التنظيم والهيكلة، وقد تبلور ذلك في عام 1372هـ، بصدور إرادة ملكية كريمة بتشكيل إدارتين مستقلتين، لكلٍ من هيئتي: نجد والحجاز، على النحو التنظيمي التالي:
الأولى: هيئة الحجاز: مقرها الرئيس مدينة مكة المكرمة، وتخضع لإشرافها هيئات ومراكز المنطقتين الغربية والجنوبية.
الثانية: هيئة نجد: مقرها الرئيس مدينة الرياض، وتخضع لإشرافها هيئات ومراكز مناطق الوسطى، والشرقية، والشمالية.
ولمواكبة مشاريع الإصلاح الإداري والتنظيمي، وتطبيقاته الحديثة، التي امتدت إلى كل قطاعات ومؤسسات الدولة السعودية. ورغبة في تسهيل مهام الإشراف على أعمال الهيئة، وتطوير هياكلها الإدارية، ومواردها المتاحة، صدر مرسومٌ ملكي في عام 1396هـ بضم جهازي الهيئة في منطقتي: نجد والحجاز، وما يتبعهما من فروع وهيئات ومراكز في إدارة واحدة، تحمل اسم «الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» وقد اسُتكملت مسيرة بناء المنظومة الإدارية والهيكلية للهيئة بصدور نظامها الأساسي في عام 1400هـ، في إحدى وعشرين مادة، مقسمة على أربعة أبواب, احتوت على جملة من الصلاحيات والتعليمات المُنظِّمة لأعمال الهيئة. ثمَّ، وفي مرحلة لاحقة صدرت لائحته التنفيذية في عام 1407هـ في ست وخمسين مادة مقسمة على خمسة أبواب.
هذا السياق التاريخي والمؤسسي للدولة السعودية، أسفر عن تعزيز وترسيخ مفهوم الحِسْبة كأداة وركن أساس في التشريع والتأصيل، وفي التنظيم البنيوي، وفي الولاية التنفيذية للدولة والمجتمع السعودي. واكتسب كذلك بُعداً دستورياً مهماً بإدراج محتواه ضمن نصوص النظام الأساسي للحكم الصادر في عام 1412هـ، وتحديداً في المادة الثالثة والعشرين منه، والتي جاء فيها (تحمي الدولة عقيدة الإسلام، وتطبق شريعته، وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وتقوم بواجب الدعوة إلى الله).
في تقديري أنَّنا نحصد اليوم ثمار تجربة سعودية متميزة واستثنائية نجحت إلى حدٍّ كبير نسبياً في بناء دولة ومؤسسات حديثة وعصرية، وفق قواعد شرعية وأخلاقية معتبرة، بما يُعد في نظر المؤرخين و الدارسين والمنصفين أنموذجاً للحكم والمجتمع الرشيد.
في جمعة الخير للثالث عشر من ربيع الآخر، وفي إطار مراسيم ملكية مباركة ذات صبغة تنموية وإصلاحية تستهدف تعزيز مسيرة الأمن والاستقرار والتنمية في هذا الوطن العزيز، وجَّه خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز - حفظه الله - باعتماد دعمٍ سخي للرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بنحو (200.000.000) مائتي مليون ريال لاستكمال بناء مقرات لها في مختلف مناطق المملكة.
ولاشكَّ أنَّ المتابع والمُطَّلع على البناء المؤسسي لهذه الدولة المباركة، لن يستغرب هذا الدعم الكبير للهيئات، إذ إنَّه يترجم منهج الدولة والقيادة الرشيدة بدءاً من الملك المؤسس -طيَّب الله ثراه- وحتى هذا العهد المبارك لخادم الحرمين الشريفين -حفظه الله- في ديمومة العناية بشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والحرص -كما جاء في حيثيات هذا الدعم المالي الجديد- على دعم هذه الفريضة الإسلامية التي أولتها المملكة ما تستحق من العناية والرعاية، اعتزازاً برفع شعارها، ودعم رجالها، ورعاية أعمالها.
كلمة أخيرة: الدعم المادي والمعنوي لهيئة الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر عنصر أساس في إنجاز مشاريع التخطيط والتطوير بفاعلية أكبر، وبناء قاعدة صُلْبة في مجال ميكنة العمل، وتوظيف الموارد، وأساليب الأداء، مثل ما هو دعمٌ إضافي لبرامج ومبادرات خطتها الإستراتيجية العشرينية بمساراتها الإدارية والميدانية والبشرية.