ها أنتَ الآنَ وأنتَ تدشّنُ مشروعَ الصمتِ الأبديِّ المطبقِ
لا تسعدُ - كالعادةِ -
حينَ تثرثرُ عنكَ الصحفُ اليوميةُ
أو حينَ تشفُّ ملامحَ وجهكَ أولى الصفحاتْ
لم تتبعْ غيرَ مسيرِ الظلِّ الهادئِ
يستنزفكَ الشعرُ حشاشتَكَ البدويّةَ حبّاً
والوقت يقطّرُ روحكَ غيمةَ شهدٍ
حتّى انسكبتْ في أكوابِ الكلماتْ
أقسمتَ -قديماً- أن تهربَ من سجنِ الطينِ
بقافيةٍ من نزفِ الوردِ
وحرفكَ مئذنة للمتعبِ
في كل طريقٍ
حين يتوق إلى الصلواتْ
ورفعتَ التفعيلةَ تكبيرةَ إحرامٍ
في أولى ركعاتِ الإنسانِ المحرومِ
تفتشُ في بيدائكَ عن نجمٍ لا يكذبُ
تستهديه إلى كنزِ الفرَحِ الغائبِ
عن هذي الأرضِ فتزهرُ فيكَ الطرقاتْ
ها أنتَ الآنَ أفقتَ
دخلتَ الورقَ الأخضرَ في شجرِ الأحلامِ بعيداً
كي تولدَ من رحمِ اللهفةِ ثانيةً
تهدي للأرضِ وشاحاً من سوسنكِ المورقِ نبضاً
لَمْ تحضنْكَ الأرضُ وأنتَ نديُّ الشدوِ طروبٌ
هل تحضُنكَ الآنَ وأنتَ رُفاتْ؟!
***
هل أنتَ الآنَ النائمُ فوقَ سريرِ الذكرى تعباً
لا يبرم وعداً في الركنِ الآخرِ منتظراً
كي تأتيهِ قصيدتهُ
في العزلةِ من هذا الكونِ
فهل أسدلتَ ستائرَ صبحكَ
هل أطفأتَ سجائرَ جرحكَ
حين اختتمتْ فيكَ الآلامُ مواسِمَها
وامتصَّكَ صيفُ اللوعةِ حقلاً حقلاً
حتى عريتْ منكَ الأغصانُ
وأقفرتِ الشتلاتْ
***
لم تُولِمْ غيرَ فؤادكَ
حينَ التمّ عليكَ العشاقُ بأمسيةٍ
حبلى بالحبّ
وكانتْ تسكنُ في صوتكَ كلُّ جراحِ الأرضِ
وكانت رعشةُ كفيكَ تمزّقُ أغشيةَ الألمِ الساكنِ
في قعر الروحِ
إلى أن صفّقَتِ الأركانُ الباردةُ
فانسابَ الدفءُ بأفق القاعةِ
إذ رفتْ فوقَ المسرحِ أجنحةُ الأبياتْ
***
عرافَ الرملِ
أتيتكَ يخضلُّ الدمعُ بقافيتي
كي لا أقسمَ أنّي نحتُ طويلاً
واختلس الحزنُ نوافذَ روحي
هل تذكرني!!!
كنتَ تعطرُ يوماً أفقي بالشعرِ
وتقرأُ لي قطعةَ قلبٍ
كانتْ تنظمُها الآهاتْ
أضرمْ قلبكَ جذوةَ عشقٍ
كي تتدفّأَ خيمةُ دنياً
لم تتدفأ منذ سنينٍ
هذا البردُ اصطفّ كثيراً فوقَ البابِ
وما متَّ ولكنْ:
أدمنَ قلبَك حتى الموتى
فذهبتَ تغنيّ قربَ الأمواتْ