يبدو أن بعضنا يحتاج إلى دورة فنية لتعلم كيفية صياغة تصريحاته للصحف أو كيف يتعامل مع الأسئلة الصحفية، وخاصة لو كان ينتمي للثقافة إذ إن للكلمة لها ما لها وما عليها ما عليها؛ فهي قانون للعقاب وشاهد إثبات على وقوع الجرم الصريح، إضافة إلى ما تشير إليه من غياب تقدير الواقع الثقافي أو كفايته والتعامل الحريص مع إمكانياته.
لكن يبدو أن الدكتور «عبدالله الجاسر» يعيش في «كوكب آخر» وأنا أفضل «كوكب آخر» بدلا من أنه «لا يدري عن أي شيء» ولا يكفي ما حدث من تصريحاته في معرض الكتاب، ليأتي اليوم ليؤكد بأنه ويعذرني في صراحتي» بأنه يفتقد معرفة واقعية لطبيعة الثقافة السعودية وما يدور في كواليس تلك الثقافة وملفاتها الشائكة.
حتى أن كل مثقفة قرأت تصريح الجاسر الأخير فيما يتعلق برئاسة المرأة للأندية الأدبية و ضحكت في سرها.
وسأعرض أولا عبارات من تصريحه فيما يتعلق بالمثقفة والأندية الأدبية ودور وزارة الثقافة ثم سأعقب على العبارات جميعا.
بدأ تصريحه «بأن الوزارة لا تمانع من مشاركة المرأة في الأندية الأدبية من خلال دخولها الجمعيات العمومية أو حتى رئاستها للأندية الأدبية إذا رأت الجمعيات العمومية».!
وأن المرأة إذا «فازت بالتصويت فلا مانع من ذلك وطالب بتوجيه السؤال إلى الأندية الأدبية لأنهم هم الأعلم بشؤونهم و بمرشيحهم».! «وأن الوزارة لا تتدخل في عمل الاندية الادبية وحتى الجمعيات ليست تابعة للوزارة».!
«إننا في الوزارة ندعم أي توجه للأندية الأدبية».!
«مهمتنا هي الدعم المالي والإعانات المعنوية ولا نشرف عليها»
ونلاحظ على العبارات السابقة التي صرح بها الجاسر ما يلي:
- التناقض والارتباك وهما ناتجان كما أحسب عن قلة دراية الدكتور الجاسر بأبعاد «ملف» المثقفة مع عضوية الأندية الأدبية.
-تهميش دور وزارة الثقافة في علاقة التأثر والتأثير للمشروع الثقافي الإصلاحي.
-الاستخفاف بقيمة الاستحقاق التي ستحقق المثقفة في معركة الانتخابات الثقافية. ولا أدري هل كان الجاسر يعي الخلفيات التي روجها أثناء تصريحه وإن «كان لا يعلم فتلك مصيبة» وإن كان يعلم «فالمصيبة أعظم».
يبدأ تصريحه بأن «الوزارة لا تمانع من مشاركة المرأة في الأندية الأدبية من خلال دخولها الجمعيات العمومية» ثم يقول «مهمتنا الدعم المالي للجمعيات ولا نشرف عليها».
فكيف لا تمانع الوزارة من وصول المثقفة إلى رئاسة الاندية وهي لا تملك حق التأثير فهي مجرد « أمين خزنة» لا تتدخل في الجمعيات ولا الأندية، وبكلمة «لا نمانع» فهو يعطي للوزارة حقا لا تملكه، فليس من حق وزارة الثقافة أن تمانع أو تقبل «رسمنّة» مشاركة المرأة لأن الأمر هنا يخضع «لقيمة مخصوصة» كما أن الوزارة السابقة والتي كان الجاسر جزءا منها كانت تقول أن «رسمّنة» مشاركة المرأة في صناعة القرار الثقافي هو «خارج إرادة المسئولين في وزارة الثقافة» واليوم الجاسر يوحي من خلال تصريحه بأن الوزارة تملك «رسمنّة» ذلك الحق، كما تملك دعمه من خلال «دعم أي توجه للأندية».
ثم يعود ويقول لا نتدخل ودورنا مالي.!
وهذا التقاطع يجعلنا نسأل هل وزارة الثقافة تحمل اليوم توجها جديدا وفعالا فيما يتعلق «بملف رسمنة مشاركة المثقفة» في صناعة القرار الثقافي؟.
أو أن الدكتور الجاسر» لا يدري؟!
وأنا أميل إلى الاحتمال الثاني أن الجاسر لا يدرك كيف تسير الأمور، بدليل أنه عاد في ذات العبارة ليقول» إذا رأت الجمعيات العمومية» وفي عبارة أخرى « بتوجيه السؤال إلى الأندية لأنهم الأعلم بشؤونهم وبمرشيحهم» وهو ما يعني أن رئاسة المرأة للأندية الأدبية مشروطة «برأي الجمعيات» « وبالموقف الأيديولوجي للقائمين على الأندية» وهو موقف يعتريه الكثير من العقد النفسية نحو المرأة، لا بفوزها، وهي إشارة خطيرة أقصد الاستثناء فيما يتعلق بالاستحقاق، أي أن فوز المرأة في الانتخابات الثقافية ليس كافيا لتحصيل أي استحقاق إلا بموافقة الجمعيات والقائمين على الأندية، وأن الوزارة في حالة التلاعب بالاستحقاق التي ستحققه المثقفة من قبل الجمعيات والأندية لن تدعم تفعيل ذلك الاستحقاق، إذن ما فائدة الوزارة إذا لم تدعم الاستحقاق المغيّب؟
وهو ما يعني أيضا أن لا قيمة لرأي الوزارة سواء تمانع أو لا تمانع ولا تأثير لها في توجيه القرار الثقافي وأن وزارة الثقافة كما فهمنا من تصريح الجاسر مجرد معهم معهم أو عليهم عليهم.
وهو ما يدعم شكنا في غياب أي دور لوزارة الثقافة في التخطيط لأي مشروع إصلاحي ثقافي،أو التأثير في أي تحول ثقافي.
فهل دور وزارة الثقافة كما فهمنا من تصريح الجاسر مجرد»كاشير» للحساب؟
مجرد دعم مالي دون أن يكون لها أي إستراتيجية لإصلاح ثقافي أو تخطيط لقيادة تغيير ثقافي في البلاد أو التشجيع عليه أو التأثير في أي تطور ثقافي؟
إنها العودة إلى المربع الأول من يخطط ويقود التغيير الثقافي في البلد وزارة الثقافة أو القنوات الثقافية؟ ولو كانت الثانية فنحن إذن لا نحتاج إلى وزارة ثقافة؛ لأنها ستصبح مثل «وردة في جاكيت « هذا ما فهمناه من تصريحات الجاسر.
ولعل هذا وجه الشبه بين المثقفة ووزارة الثقافة..!.
