أجدها فرصة سانحة عبر هذا المهرجان المتميز الذي يتكرركل عام كموسم من المواسم الوطنية التي ترسم للأجيال صورة الماضي التليد بمآثره ومكتسباته, ومرتكزاته وارتباطه بالحاضر المجيد, ليبقى شاهدًا على مرّ العصور
بما ننعم به من نعم عظيمة, وآلاء متجددة, كيف لاوكل ذرّة على هذا الثرى تشهد بمآثر هذا الوطن المبارك وخصائصه, ومكتسباته ومقدراته، وما حباه الله به, وما امتن الله عليه من ماض عتيد يعد حضارة من أعظم الحضارات التي قامت في هذا الوطن المجيد المملكة العربية السعودية وما هيأ الله له من ولاية حكيمة, وقيادة فذة, جعل الله قدرها ولاية هذا الوطن الآمن, والبلد المقدس, فقامت بأمر الله خير قيام, وجعلت تطبيق شرع الله, وإقامة حكم الله, وحماية أصل الأصول, وأساس التميز عقيدة التوحيد الصافية التي تطبق في هذه البلاد غضة نقية, لا نزال نتفيأ ونعيش بركتها, وقيض الله الأسرة الماجدة من آل سعود يتوالون على نصرة التوحيد, ويتعاهدون على ذلك خلفًا بعد سلف.
والتمسك بهذا الأصل هو سر من أسرار التمكين الذي نعيشه, ولاسيما في هذا الدور الذي قيض الله له الملك المؤسس الباني الملك الصالح المجاهد البطل عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود -طيب الله ثراه- وجعل الله الجنة مأواه- وتوالى عليه أبناؤه البررة معاهدين الله في الثبات على الأصول ومواصلة الجهود المباركة الخيرة, مع الأخذ بكل أدوات التطور, وأساليب الارتقاء والنماء, والحضارة والتقدم والازدهار, حتى يقف هذا الوطن المجيد في موقعه اللائق به وبمكانته في مصاف العالمية والريادة كما هو شأنه في كل وقت, وتأتي الجنادرية هذا العام بعد أحداث وتقلبات شهدناها في هذا الوطن, ولا يمكننا تجاوزها في مثل هذه الفرصة الوطنية, إنها محن وآلام وأحداث أعقبتها منح عظيمة, ونعم متجددة, فقد آلمنا وأحزننا ما ألم بمليكنا -أيده الله-, وما تبع ذلك من غيابه عن وطنه وشعبه ومحبيه لإجراء عملية استلزمها العارض الصحي, ثم تنجلي هذه الغمة, وتزول هذه الكربة, ويشهد الوطن أفراحًا متوالية بعودته وشفائه, فالحمد لله الذي ابتلى وعافى, ومنّ وأعطى, ثم يتكالب أعداء الوطن, ودعاة السوء والفتنة ليحدثوا في هذا الوطن المبارك الآمن المحفوظ بحفظ الله وعنايته, وينقلب السحر على الساحر, وتتكشف الحقائق, ويصعق المفسدون بالنتائج, فتظهر هذه الدعوات المضللة قوة البناء, وصدق المحبة, وشدة اللحمة, ووحدة الصف بين الراعي والرعية, لينقلب أولئك على أعقابهم خاسرين خاسئين, فتأتي هذه المناسبة بعد هذه الأزمات لتكون فرصة للتذكير بهذه المكتسبات العظيمة, واللبنات الحضارية المتميزة التي تحققت بفضل الله عز وجل بالقيام على هذه الثوابت منذ أن بدأها ووضع لبنتها الأولى مؤسس هذا الكيان العظيم حتى آتت ثمارها اليانعة ونتائجها السارة في هذا العهد الزاهر الميمون عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز -حفظه الله- الذي تلاقى فيه تراث الأجداد التليد العتيد بوفاء الأبناء والأحفاد المجيد فاتضح من خلاله قوة الأسس وسلامة البناء وصدق التوجه المفعم بصحة المعتقد والتوحيد الخالص، القائد إلى صدق الولاء وسلامة المنهج, وهذا الامتداد التأريخي جزء من صياغة بناء الوطن, والتذكير به, وتكراره على الأجيال, وإبراز النعم الماضية والمتجددة, والتعريف بالبطولات والتضحيات يمثل صورة التلاحم والترابط بين أبناء المجتمع.
تُذْكر هذه المشاعر والنعم والمنح العظيمة في هذه المناسبة الوطنية التي لم تعد عرضًا للتراث ومفاخر الآباء ومآثرهم, بل نمت وتطورت وترعرعت حتى صارت تظاهرة ثقافية عالمية, وعلامة مميزة في المشهد الثقافي السعودي, وركنًا أساسًا في عرض الحضارة العربية الإسلامية السعودية, حينما تختزل المراحل التأريخية والبطولات والأمجاد العربية التي مرت بها الجزيرة لتقف في هذه الحقبة التأريخية شاهدة على عزمات الأبطال, وهمم الرجال, وإنجازات أصحاب النفوس الكبيرة في وحدة لم يشهد لها التأريخ المعاصر مثيلاً, وصارت مضرب المثل ومحط النظر ومقصد المتأمل في العالم للقاصي والداني, فالحمد لله على آلائه, والشكر له على تتابع إحسانه.
إن هذا المهرجان الوطني (الجنادرية 26) حينما يتكرركل عام, ويأتينا هذا العام متجاوزًا ربع قرن من عمره الزاهر المديد الحافل بالإنجازات والعطاءات التأريخية والثقافية لم يكن ليتحقق له ذلك لولا فضل الله أولاً, ثم تلك الهمة العالية والرؤية الثقافية, والنظر إلى المستقبل البعيد, والحس العالي الفريد من ملك الإنسانية وقائد المحبة والسلم والسلام, ورائد التعليم العالي خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز -أيده الله بتأييده, وحفظه بعينه التي لا تنام, وركنه الذي لا يضام-, فقد وجه قبل ما يربو على ربع قرن من الزمن وهو يتسنم هرم المسؤولية في رئاسة الحرس الوطني التي قادها بقوة واقتدار وحكمة منذ عام 1383هـ حينما اختاره أخوه جلالة الملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود: لرئاستها بإقامة الجنادرية الأولى, ثم توالت مراحل التطور, وتتابعت أساليب التطوير حتى صار هذا المهرجان يحتل الصدارة في المهرجانات العالمية, ويعول عليه في نقل وصناعة الصور الحضارية التي تشهدها مملكتنا الحبيبة, ووطننا المعطاء, ولا يمر عام على هذا الحراك الثقافي إلا ويشهد صورًا من التجديد والمناشط والفعاليات التي تواكب المناسبة, حتى ارتبط ارتباطًا إذ لا مزايدة على أن ديننا وعقيدتنا أساس عزنا وحضارتنا, وما تحقق لنا في كل عام, وفي
العام المنصرم شاهد على ذلك, ولذا يأتي عرض الصورة المثالية المشرقة لهذا الدين بوسطيته ومثاليته وقواعده وأسسه, وسماحته وقيمه العالمية التي تجمع ولا تفرق, وتبني ولا تهدم, وتصلح ولا تفسد, وتؤمن ولا ترعب, ويعد المهرجان خدمة أساسية حينما تلتقي الأطياف التي تمثل بيئات مختلفة, وترى هذه الجوانب المشرقة في تأريخ هذا الوطن العظيم المملكة العربية السعودية, وتتفاعل بحوار بناء, ونقاش مثمر لتتعرف على دور المملكة ورسالتها تجاه العالم, هذا على الصعيد العالمي, أما على الصعيد المحلي فإن الفعاليات والمناشط التي تصب في المجال الإسلامي كثيرة, يأتي في مقدمتها المسابقات الملكية للقرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة وغيرها من الفعاليات التي تشهدها ساحة الجنادرية.
أما الجوانب الثقافية والأدبية والتأريخية فهي معالم بارزة في مهرجان الجنادرية, ولها آثارها العميقة التي تشهد بأن وطننا وطن ضارب في أعماق التأريخ, وحضارتنا حضارة عتيدة لن تبيد ولن تزول -بإذن الله-, لأن أصولها وثوابتها مما تكفل الله بحفظه وبقائه إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها, {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُون}.
* جزء من انطباع سماته على تصرفاته في الشأن الداخلي والعالمي, لأن الفعاليات والبرامج والمناشط كلها تصب في اللحمة والارتباط, وتذكير الأجيال الحاضرة بأمجاد الآباء ومفاخرهم, ليكون ذلك من بواعث قوة الانتماء وصدق الولاء للدين ثم الوطن والقيادة الرشيدة, ولذا فإنه لا يستغرب ذلك الرصيد الشعبي من المحبة والولاء واللحمة لمليكنا - أيده الله - ولتهنه الخيرية التي أخبر بها المصطفى حين قال: «خيار أئمتكم الذين تحبوهم ويحبونكم وتصلون عليهم ويصلون عليكم», ونحن في جامعة المؤسس الأول للدولة السعودية الأولى نعيش هذه المناسبة بشعورنا ومشاعرنا, وما نستطيع أن نسهم به عبر جناح الجامعة, ونرى أن ذلك جزء من واجب وطننا وولاة أمرنا علينا, ونحرص أشد الحرص على أن يكون حضور الجامعة قويًّا مؤثرًا, وذلك واجب علينا تمليه محبتنا لديننا ووطننا وولاة أمرنا, ونحن بذلك نؤدي جزءًا من حق الوطن وولاته علينا, فالحمد لله الذي والى المنن, وتابع النعم, ثم أقول: هنيئاً لنا بخادم الحرمين الذي جعل همه الأول والأخير رضا الله ثم إسعاد شعبه, لقد مكن لهذه البلاد, وقادها باقتدار إلى الريادة والمثالية الطموحة, وإن هذا المهرجان جزء من مكرماته لشعبه الوفي, وهي مكرمات تتوالى, وإنجازات نوعية, وحديث لايمل, ومعين لا ينضب، يوقفنا فيها على تمسكه بالإسلام وقيمه وأحكامه, والشعور بشعور الجسد الواحد, وها هو المهرجان بعد هذه الحقبة الممتدة يؤكد الدور الذي اضطلعت به الجنادرية, واستطاعت بفضل الله ثم بهذا الدعم التشكل والمرونة لتصل إلى العالمية بعد أن كانت في نسختها الأولى, وفي فترتها التأسيسية في دوائر محلية, لتثبت للعالم أن ديننا دين حضارة ورقي وتقدم, وأن قائدنا ومليكنا خادم الحرمين الشريفين قد أوصلنا بحنكته وسياسته المثالية لمرحلة جديدة أبرز معالمها التنمية الشاملة في الإنسان والاقتصاد, والتفاعل مع الثقافات والحضارات بلغة الحوار الهادف, واعتماد القيم المشتركة, والعلاقات المبنية على التسامح والتشاور, وتجاوز التحديات والعقبات, لتتجسد الطموحات والآمال واقعاً حياً, ننطلق فيها من ميزات الإسلام وخصائصه وقيمه وثوابته, ويكون الخطاب الوسطي هو الصورة المثالية التي تفرض نفسها كبديل لطرفي النقيض الغلو والجفاء، فالحمد لله الذي وفق خادم الحرمين الشريفين إلى مثل هذه المبادرات المؤثرة التي غيرت كثيراً من المفاهيم والتصورات التي كان يحملها بعضهم عن الإسلام عموماً, وعن بلاد الحرمين خصوصاً, ونسأل الله سبحانه أن يمكن لإمامنا وولي أمرنا, وأن يسدد قوله وفعله, ويجعله من أنصار دينه وأعوانه, كما نسأله سبحانه أن يحفظه بحفظه, ويكلأه برعايته, ويمده بعونه, ويديم عليه نعمه إنه سميع مجيب, والحمد لله رب العالمين.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
مدير جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية